سؤال قديم جديد وهو سؤال دور المرأة في الحركة الإسلامية وأدوارها في مشروع النهضة الذي تتبناه الحركة الإسلامية في السودان. لا شك أن الحركة الإسلامية فى السودان قد تقدمت الحركات الإسلامية الأخرى بأشواط كثيرة فى موضوع دور المرأة في الحركة الإسلامية والمجتمع. فمن المنظور النظري لم تحاول الحركة الإسلامية اختلاق دور للمرأة مخالف لدور الرجل. فلا قيد من حيث النظر على حركة المرأة فى الحياة العامة ولا قيد من ثم لحركتها داخل الجماعة الإسلامية المنتظمة. ولذلك فقد قادت طائفة من الأخوات الحركة النسوية العامة فى أوان تأسيسها فى السودان فى وقت كان فيه الإسلاميون فى العالم العربي ينظرون بتشكك الى حركات المطالبة النسوية ويعتبرونها واحدة من مكائد الأجنبي على البلاد الإسلامية. ولا تزال ثلة من الإسلاميين يتمسكون بهذا الطرح ومنهم ثلة صغيرة في السودان. وقد ساعد ضعف التقاليد الاجتماعية المتشددة في السودان على توسيع الفرص أمام المرأة للتحرك في الحياة العامة. و نالت المرأة السودانية بفضل تلك الظروف وتقبل التيارات الإسلامية لمنحها المزيد من المكاسب والحريات مكانة مرموقة ما قورنت بأوضاع النساء في العالم العربي حتى في تلك البلدان التي حكمتها تيارات سياسية يسارية. فأوضاع المرأة السودانية في جانب المساواة في التعليم والعمل والفرص في الحياة العامة أفضل من أوضاع نظيراتها العربيات جميعاً. وقد تمتعت المرأة السودانية بثمرة أعمال سياسة تمييزية لصالحها في هذه المجالات كافة. ولكن السؤال لا يزال عالقاً هل بلغت المرأة مرحلة نيل الحقوق المستحقة لها تماماً مثل الرجل سواء بسواء. والإجابة التي لا تحتاج الى تروى هى كلا لاريب فيها قلا تزال المرأة على مبعدة من نيل حقوقها التى استحقتها بالكرامة الإنسانية وبمساواة الإنسان بالإنسان فلا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى. فالتكليف واحد والحساب واحد والجنة واحدة والنار واحدة. ولذلك مثلما الميزان واحد فإن المسؤولية واحدة والفرص واحدة. لا يعنى ذلك تطابق التكاليف فهى لا تتطابق بين رجل وآخر وامرأة وأخرى ولكن بإتاحة الفرص كاملة أمام الجميع. فالحديث ليس عن تساوى النوع بالنوع وإنما الحديث عن تساوى الفرص في كل ميدان وان اختلف التكليف باختلاف الحال. بيد أن المرأة في السودان وفى غيره لم تبلغ هذا المبلغ بعد ولم تقترب من تناوله في وقت قريب. تحول بين ذلك مفاهيم اجتماعية تسود فى أوساط النساء والرجال. كما تحول دون ذلك أوضاع اقتصادية تجعل من المرأة أسيرة المحبسين النوع والفقر معاً. فالإحصاءات عن الفقر فى السودان وسائر انحاء العالم تدل على أن المرأة تقبع فى أدنى دركات الفقر. فالنساء يشل قدراتهن الفقر المدقع المقعد. وتزداد مع مرور الأيام مسؤولياتهن عن الأطفال. إن أفقر فقراء العالم هن النساء وأطفالهن. ولذلك فإن الحركة الإسلامية عليها أن تتوقف عن الفخر بإنجازاتها السياسية على صعيد التمكين السياسي. وان تشرع بقراءة الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة السودانية لإخراجها من ضيق الفرص الى سعتها ومن عجز الإمكانية الى مُكنتها. التمكين الاجتماعي للمرأة: المقصود من التمكين الاجتماعي للمرأة هو مساواتها فى فرصة التحكم بحياتها وحياة أسرتها والأقربين لها بالرجل سواء بسواء. فهذا هو مقتضى العدل الرباني والشرع الإلهى. فقد جعل الله سبحانه وتعالى علاقة الارتباط بين النوعين علاقة طوعية تعاقدية. ويتوجب أن تلتزم تشريعاتنا وتقاليدنا الاجتماعية بمبدأ التعاقدية. وكل عقد شابه الإكراه من أحد طرفيه أو أى طرف آخر فهو باطل ولا أثر للعقد بعد البطلان. وأول متطلبات تمكين المرأة من الاختيار الحُر فى أى عقد تبرمه هو التعليم. فناقص العلم ومعدومه سفيه. والسفيه لا يملي وأنما يُملى عنه. ولذلك فإن تعليم المرأة هو الأولوية الأولى ولحسن الحظ فإن الأرقام توضح النجاح المحرز فى هذا المضمار. ولكنه نجاح منقوص، فلئن ساوت المرأة الرجل فى فرص التعليم العالي فلا تزال لا تساويه فى التعليم العام. بأسباب عديدة منها الزواج المبكر الذى لا بد من تنظيمه بتشريعات ضابطة كيلا يكون سبباً فى تزويج القاصر من تكره. وسبباً فى حرمانها من التعليم. ولا يزال تسرب البنات من المدارس أكبر من تسرب الأولاد ربما لذات السبب. وتعليم النساء ينبغى ان لا يقتصر على التعليم المدرسى بل يجب ان تُستغل كل وسائط الاتصال للارتقاء بقدرة المرأة للتعرف على قدراتها وملكاتها والتعرف والتوافق مع بيئتها ومجتمعها لكى تكون طرفاً قادراً على المشاركة فى تطوير بيئتها وتنمية مجتمعها. وتعليم المرأة ينبغى أن يخطط لجعلها المعلم الأول لأطفالها وبخاصة فى المراحل المبكرة من تعليمهم وتربيتهم. فتطوير الوالدية هو العتبة الاولى للنهوض بالتعليم ولن يتحقق ذلك الا بالارتقاء بالمرأة علماً وثقافة وادراكاً وإحساسًا مرهفاً بالقيم الدينية والأخلاقية والجمالية. وأنجع سياسة للتطوير الثقافى والعلمى للمرأة وبمن ثم للأسرة هى سياسة ادماج المؤسسات الاجتماعية باستخدام تكنلوجيا الاتصالات الحديثة والتشبيك الاجتماعى. يعنى ذلك كسر السور بين المدرسة والمنزل وفتح ممرات افتراضية لتبادل المعلومات والاسناد العلمى بين القطبين المنزل والمدرسة. وكذلك تحويل وسائط الاتصال العامة الى شبكات اجتماعية تفاعلية مما يعزز الترابط الاجتماعى ويقوى قدرة المجتمع على الضبط والمساندة. التمكين الاقتصادى للمرأة : ما منحه الإسلام للمرأة على صعيد التمكين الاقتصادي لا تزال تتقاصر عنه تشريعات كثير من الدول المعاصرة. فالمرأة التى كانت تورث مع تركة الرجل المتوفى مثل المتاع أصبحت بتعاليم الإسلام ذات حق أصيل فى أن ترث وأن يوصى لها بالمال. واختلاف الأنصبة لا علاقة له بالنوع وإنما علاقته بالتكليف بالإنفاق وذلك مثل الرئاسة فى الأسرة والقوامة على امرها فهو إنما يستحق بالانفاق وبالقدرة الملحوظة على القيام بتكاليف تلك القوامة والرئاسة. وللمرأة كل حقوق التصرف فى مالها دون إذن من أحد. ولها اسثتمار مالها أو المتاجرة به أو منحه أوهبته لمن تشاء وقت ما تشاء. بيد ان مجتمعات المسلمين لم ترق لذلك المقام الإسلامى الرفيع. فلا تزال المرأة تتعرض لضغوط كبيرة للتنازل عن حقوقها فى الميراث للذكور وبخاصة ان كان الموروث عقارًا أو أرضاً زراعية أو ثروة حيوانية. فالرغبة فى الاحتفاظ بهذه الأصول فى اطار الأسرة وعدم خروجها للأصهار ظل سبباً لحرمان نساء كثيرات من حقوقهن فى الميراث دون أن يجدن مساندة تشريعية أو اجتماعية تعين على ضمانة الحقوق. ورغم الاعتراف بحق المرأة فى الاستثمار فإن الإحصاءات توضح بصورة جلية حرمان النساء من التمويل المصرفى والضمانات المالية الأمر الذى أصبح إحدى ضرورات تمييز الأموال وتكثيرها. فلئن كان 85% من السكان محرومين من التمويلات المصرفية فإن نسبة النساء من هذه النسبة هى نسبة تقاربها أو قد تتجاوزها.. واذا كانت الدولة قد وضعت استراتيجية لدحر الفقر فلا بد من ملاحظة ان تمييز المرأة لتمكينها اقتصادياً يوجب أن يكون الأولوية القصوى. هذا يعنى سياسة دعم مباشر للأرامل وللأسر فاقدة العائل وللأمهات العاملات في الأعمال الحرة وكما يعني توجيه التمويل الأصغر لدعم هذه الفئات من النساء الفقيرات. المرأة والحركة الإسلامية: لقد ظلت المرأة نصيراً لا يتزحزح للحركة الإسلامية فى السودان والرصيد السياسي للحركة يأتي غالبه من النساء. ولذلك وجب على الحركة أن تقابل الوفاء بالوفاء. وذلك بتبني سياسة جريئة تدعمها التشريعات والسياسات لتمكين المرأة اجتماعياً واقتصادياً. ولن تكون الثمرة لهذه الرؤية وهذه الهبة الاجتماعية لمناهضة التمييز ضد المرأة إلا نهضة اجتماعية واسعة وشامل. وتقدمًا ملحوظًا على صعيد مكافحة الفقر والجهل والتخلف. فإنما تنهض الأمم كما ينهض الإنسان على قدمين اثنين تحملان العبء سواء بسواء وتتناغمان فى دفع الأمة على طريق التقدم والتحضر والرقي الاجتماعي.