كثيرون يعتقدون وأنا منهم أن قيمة القبيلة والانتماء إليها قضية أحكمت قبضتها على كل أشكال الحراك السياسي، خصوصًا ذلك الحراك الذي يبتغي للسلطة سبيلاً، فالقبيلة رسمت ملامحها ووضعت بصمتها بشكل واضح ومؤثر، وبات من الصعب توفر مقوّمات المشاركة في الحكومة أو السلطة بمعزل عن النفوذ أو التفويض القبلي الذي يقود صاحبه إلى عسل السلطة وكراسيها الوثيرة، إذن هي حالة من الأمراض التي شوَّهت طبيعة الحراك السياسي طيلة حقبة الإنقاذ التي اتهمها الآخرون بأنها أعلت من شأن القبيلة، وتجاهلت المعايير الحقيقية التي كان من الأوجب أن تكون هي العامل الأبرز في التوظيف السياسي، وبطبيعة الحال فإن الدولة هي التي وفرت معطيات القبيلة مما أدى لصعودها بشكل متسارع في سلم الشراكة السياسية، وسيطرتها على مساحات لا تستحقها.. ولكن هذه الظاهرة لا يبدو أنها تجد ذات النفوذ على مستوى كتلة السودانيين بالمهجر، فالمغتربون هناك ربما تتلاشى عندهم الخطوط والفواصل بين قبيلة وأخرى، تلك هي ظاهرة موجبة جديرة بالتأمل والرعاية تتجلى في طبيعة وشكل الحراك السياسي والاجتماعي داخل الجاليات السودانية في معظم دول المهجر، خاصة ذات الوجود السوداني المكثّف والواضح من حراك السودانيين بالخارج لا تحكمه ذات المعايير التي يتعاطاها السودانيون بالداخل، حيث السطة تشكِّل المحرك الأساسي لجينات القبلية وينتفي هذا العامل كلما ابتعد السودانيون عن شواطئ السلطة، والعكس صحيح تمامًا كلما اقترب السودانيون أو تعاطوا مع السلطة وجدت القبيلة مسارات سالكة للصعود. ومن المنطق أن نفهم أن صعود القبيلة في أية ممارسة سياسية يحتاج إلى قاعدة من أنصار أية قبيلة حتى تجد سندها، وحتى لو اعتقدنا أن هنالك من يتعاطون مع القبيلة بالخارج فهي في حدود ضيقة لا تتجاوز حدود المسموح به وفق ضوابط واشتراطات بلدان المهجر، فالسودانيون هناك تشكَّلت مجموعاتهم أو تكتلاتهم بطرق غير مقصودة ولكنهم هكذا تجمعوا سواء كان ذلك عبر الجاليات أو غيرها من الروابط؛ لأن ظروف العمل والغربة هي التي جعلت هذه التجمعات ممكنة دون الاعتبار لأي قيمة أخرى يمكن أن تفرض أسلوبها على التجمعات السودانية هناك وهذا لا يعني أن القبيلة لم تهاجر أو تتخطى حدود الوطن ولكنها أيضًا موجودة في حدود التعاطي مع بعض السودانية التي تشتعل فيها الأزمات أياً كان نوع هذه الأزمات.. وليت السودانيون هاجروا جميعهم ليجربوا أنماط وسلوكيات الحياة بلا قبيلة ونحن هنا لسنا ضد القبائل أو الانتماء إليها ولكن أن يمتطي القبليون نفوذهم من أجل السلطة فهذا إضعاف للقومية وانتهاك للهوية. طيات السحاب...إبراهيم أرقي قلنا إن المرأة السودانية في بلاد الغربة تعاني معاناة شديدة خاصة فيما يتعلق بتربية الأطفال حيث تقوم بمراعاتهم في غياب الزوج أثناء العمل خاصة مع الدوام الذي يستمر حتى المساء وفي أحيان كثيرة يخرج الأب من البيت ويترك أولاده نيامًا ويعود وهم نيام لذلك تجد أن الأم تقوم بدور الأب والأم في وقت واحد إضافة إلى ضغوط الغربة وبحثها عن الترويح عن نفسها من هذه الضغوط وهموم الأهل في السودان وكيفية التواصل معهم. وكثير من الأمهات يسعين لأن يكون أبناؤهن مميزين في دراستهم كما تسعى الأم المغتربة لأن يتربى ابنها تربية سودانية تحمل كل سمات البلد السمحة كيف يقابل الضيوف وكيف تكون فيه شهامة السوداني وقوة شخصيته ولكن في كثير من الأحيان يفلت الزمام من المرأة خاصة عندما يصل الابن إلى مرحلة المراهقة وهنا يبدأ صراعها النفسي مع ابنها، وقد حكى لي أحد الأصدقاء درس في طب الخرطوم كيف أن بعض طلاب الشهادة العربية يأتون وهم لا يعرفون حتى طريقة الحديث معنا ولغتنا ولهجتنا. وحقيقة أن الأطفال والأولاد في الغربة مظلومون وأسرهم تعاني معهم معاناة كبيرة والأم تتحمل المسؤولية الكبرى في هذه المعاناة حيث يبقون طول ساعات اليوم أمامها ولا يستطيعون الخروج إلى الشارع ولا الأصدقاء من أبناء الجيران حتى يتواصلوا معهم فقط يخرجون في الإجازة خميس أو جمعة وبقية أيام الأسبوع في البيت «شقة» يقضون بقية ساعاتهم وأيامهم وحياتهم في اللهو والكمبيوتر والتلفزيون وقد لاحظت أن أبنائي حفظوا كل أناشيد طيور الجنة ومواعيد «إم بي سي «3»» واسبيس تون وغيرها من القنوات الطفولية. والمشكلة الأكبر التي تواجهها الأسرة هي أن وجود الأطفال في البيت يعرضهم للسمنة خاصة مع الأكل الكثير وعدم الحركة حتى الأم هي نفسها عرضة لهذه السمنة وهذا ما تعاني منه معظم النساء المغتربات بالرغم من توفر ميادين خاصة للرياضة والمشي إلا أن الوقت هنا لا يسعف مع العمل الكثير وواجبات البيت والأطفال لذلك تجد المرأة نفسها أُصيبت بداء السمنة دون أن تشعر وهذا يؤدي بدوره إلى الأمراض المعروفة مثل السكري والضغط. والأخطر هنا هي العلاقات والصداقات مع الآخرين وهنا لا بد أن تكون الأسرة حريصة جدًا في متابعة أبنائها لأن المجتمعات هنا كلها موبوءة بممارسات قد تفسد الأبناء لأن هناك جنسيات مختلفة وتحمل ثقافات وعادات مختلفة والتي تعتبر غير متوافقة مع أخلاقنا وتقاليدنا لذلك تواجه الأسرة مشكلة كبيرة في متابعة وضبط تحركات أبنائها ومعرفة علاقاتهم وتوجيههم بطريقة صحيحة.