أقرأ كثيراً عن المواد الكيمائية فأشعر بالخوف أكثر وأكثر.. هل يمكن أن يعيش الإنسان في بيئة خالية من المواد الكيمائية؟ هذا هو المستحيل بعينه.. فتركيبنا الفسيولوجي يتكون من مواد كيميائية ابتداءً من الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي.. الى أي إفراز من إفرازات الغدد الصماء والملح والحديد الذي فيه بأس شديد، وما بالك بالهواء الذي نستنشقه. ولكن الله سبحانه وتعالى خلق مع هذه الكيميائيات قوانين تحكم ترابطها وكيميائيتها ووجودها، ولا يختل ذلك الترابط إلا بتدخل الإنسان بطريقة عشوائية غير مرشدة، فيتلوث الهواء ويتلوث الماء ويتلوث الطعام وتتلوث التربة.. تلك الأشياء التي لم تكن ضارة بل كانت كلها تعمل لصالح الإنسان، أخذت تصاب بالتلوث فتتحول إلى مواد سامة .. تسمم خلايا جسم الإنسان وتغير جيناته الوراثية وتؤدي به الى إنتاج أجيال من البشر متخلفين عقلياً وجسدياً ونفسياً، ولهذا فالمواد الكيميائية التي أخاف منها هي تلك التي صنعها الإنسان وتفنن في استنباطها وسمم بها البيئة. وقرأت مقالاً في مجلة النيو سيانتست بتاريخ 5 يونيو، فخفت كثيراً وحزنت أكثر، يقول المقال إن الاستخدام المكثف لبعض الأنواع الكيميائية والمنظفات غيرت من التركيب الكيميائي المتوازن للبيئة العام، بحيث جعلتها تسبح في بحر من هرمون الأنوثة الاستروجين، ذلك الهرمون الذي يؤثر وظيفياً وعضوياً في الأجنة الذكور وهي لا تزال في الأرحام. وفي مقالة بمجلة اللانسيت الطبية يقول الباحثان ريتشارد شارب عضو مركز الأبحاث الطبية في أدنبرة ونيلز سكاكيباك من جامعة كوبنهاجن بالدانمارك، إن الزيادة الملحوظة في حالات عدم نزول الخصيتين في الأطفال والتشوهات الخلقية التي تحدث في أعضائهم التناسلية وقلة عدد الحيوانات المنوية عند الكثيرين للدرجة التي تجعلهم غير قادرين على الإنجاب، تعزى لذلك الارتفاع الكبير في معدل هرمون الاستروجين في البيئة. وقد دلت الأبحاث على أن الناس قد يتعرضون لذلك الهرمون في الحليب ومشتقات الألبان وفي فول الصويا وزيوته والملوثات من أمثال مركب الدايوكسين الذي يستعمل بكثرة لإبادة الحشرات، واليوم فهو يدخل في تصنيع أكياس البلاستيك التي نستعملها لأقل سبب، حتى أن أكياس ودعماري بكل ما تحتويه من تمباك مخلوط بمواد يقال إن مواد البطاريات الجافة تدخل في تصنيعه «وبالمناسبة هناك في منطقة الكلاكلات والصحافات محلات تحمل لافتات مضيئة مكتوب عليها «ود الريح للعماري الجيد» وقد اتصل بي بعض الإخوة ليقولوا لي: بختك يا أخينا.. محلاتك شغالة تش.. وأود أن أوكد هنا إنني برئ من تلك المحلات وليست لي بها أية علاقة حتى لو كانت شغالة تش.. كما أن المواد الكيميائية التي لها تأثير قوي على التركيب الجيني للمواليد، مثلاً ما يتسرب الى منابع المياه من آثار حبوب منع الحمل، كما أن الكثير من مستحضرات التجميل التي تملأ الأسواق والمساحيق التي تضعها النساء على وجوههن وأجسادهن ويقمن بغسلها من وقت لآخر وتتسرب مع مياه الصرف الصحي والتي يعاد استخدامها مرة أخرى بعد معالجتها أو عدم معالجتها في ري الأشجار، يكون لها تأثير مؤكد في زيادة مستوى هرمون الأنوثة الاستروجين في البيئة.. وفي الأماكن التي يكون فيها تركيز ذلك الهرمون حتى ولو كان ضعيفاً يؤثر على الأجنة وتكوين الأطفال الذكور. وقد لاحظ الباحثون أن هناك أطفالاً ذكوراً يظلون فترة طويلة بعد مرحلة البلوغ دون أن تظهر عليهم الخصائص الجنسية الثانوية مثل نمو الشارب واللحية وتضخم الصوت وكل الصفات التي يتميز الذكور عن الإناث، كما إن وزنهم يزيد وتستدير أجسامهم بصورة لا توجد إلا في الفتيات البدينات، ويعزون كل ذلك إلى ازدياد معدل هرمون الاستروجين في البيئة المحلية، وقد زاد زيادة ملحوظة في ظرف الخمسين سنة الأخيرة. وقد لاحظ العالم جون سمبتر أستاذ علم الأحياء بجامعة برنيل، أن مياه الصرف الصحي التي تعيش فيها بعض الأسماك أدت الى ظهور أسماك ذكور تنتج مادة مثل صفار البيض، وهذه لا تنتجها عادة إلا الإناث.. وهو يعزو السبب أما الى المادة الموجودة في أقراص منع الحمل مثل الاثينايلوستراديول أو تحلل بعض مواد النظافة. وقد وجد الباحثون في ولاية فلوريدا أن الزواحف التي تعيش في المياه الملوثة قد تغيرت فيها نسبة الجنس في اتجاه الإناث أو ما يشبه الإناث ... ولن يمضي يوم آخر حتى يكتشف العلم أثاراً أخرى لذلك التلوث المخيف بفعل المواد الكيميائية. والأمر الذي يدعو إلى القلق هو الدراسة التي توصل إليها علماء جامعة برنيل التي تشير إلى أنه حدث تقلص في أطوال أعضاء الذكورة عند الأمريكيين مقارنة بما كانت عليه عند جدودهم. وقد وصل الأمر في بعض الحالات إلى أن هناك بعض الأطفال يعانون ضموراً واضحاً في أعضائهم التناسلية. ولا ندري إلى أين يقودنا ذلك الغزو المركز لأجسامنا من المواد الكيميائية. وماذا عن المواد المضافة التي توجد في كثير من الأطعمة المختلفة التي تملأ البقالات والسيوبرماركتات، وما هو تأثيرها على البالغين وعلى الأطفال؟ يجب أن تلتفت هيئة المواصفات لتحفيز مراكز البحث في الجامعات لاختبار كل طعام معلب يدخل السودان. ويا آدم السودان كم نسبة حواء التي أصبحت تحملها في داخلك دون أن تدري؟ هل هناك مؤامرة تحاك في الخفاء على رجالات السودان؟ ربما. حاشية: اليوم الساعة الثامنة مساءً نقدم محاضرة بنادي الرياضجنوب سيوبرماركت الأنفال بشارع المشتل «عن قضايا البيئة وتعقيداتها» وتقدم الفنانة نهى عجاج فواصل غنائية.. فمرحباً بكم. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.