بعيداً عن الحديث الرسمي سواء لحكومة السودان او دولة الجنوب؛ الا ان ثمة غموضًا يحاصر وجود السودانيين الشماليين في جوبا والتي تشير القراءات للأحداث انها قد تكون نوايا مبيتة لاستخدامهم ورقة مساومة متى ما يحين استخدامها، مما يجعل مخاوف الخرطوم أمراً واقعاً.. وبالرجوع لتواتر الأحداث منذ ان اصبح الانفصال واقعاً على الأرض، تقاذفت ملف الشماليين في الجنوب امواج عاتية تحكمت فيها القضايا السياسية بشكل اساسي والتي استعرت نارها بمواقف حكومة الجنوب من ذلك مما حدا بالحكومة السودانية لمطالبتها من خلال سفارتها في جوبا بمزيد من الوقت لتتمكن من تسهيل ترحيل الشماليين وتسوية أوضاع الراغبين في البقاء هناك بعد ان اصبحوا اجانب باستقلال الدولة الجديدة واصدارها اكثر من الف وثيقة سفر للسودانيين الذين يريدون العودة للشمال و«300» جوازاً للذين يريدون توفيق اوضاعهم القانونية للبقاء بالجنوب.. وعلى الرغم من كثافة التصريحات الرسمية حول جنوبيي الشمال وأوضاعهم، وتحرك حكومتهم المتأخر لتوفيق أوضاعهم، الا انه غاب تماماً عن سماء الخرطوم الخطط البديلة لمعالجة وضعية شماليي الجنوب والتعلل بان انتهاء فترة توفيق أوضاعهم امرٌ يتعلق بلوائح وضوابط حكومة الجنوب.. اذن مازال التساؤل قائماً حول كيفية إيجاد حلول ناجعة وسريعة للسودانيين بدولة الجنوب وتسهيل اجراءات عودتهم من قِبل الحكومة السودانية خاصة بعد ان بدأت وبصورة سريعة في ترحيل المواطنين الجنوبيين بعد تحديد مهلة زمنية لذلك، فسارعت حكومة الجنوب لاستخراج الأوراق الثبوتية لرعاياها خلال ابريل الماضي لتسهيل عودتهم للجنوب بمتابعة المنظمات ذات الاختصاص، وهذا الأمر جعل بعض المحللين يرون ان حكومة السودان قد اسهمت في جعل القضية اكثر تعقيداً بتأخرها عن حسم ملف الشماليين بالجنوب او بالأحرى توفيق اوضاعهم مقارنة بحكومة الجنوب التي بادرت في هذا الملف؛ نسبة لأن الأخيرة خلال الفترة الماضية لم تحرص على ترتيب أوضاع مواطنيها لضعف العمل المدني او لعدم اكتمال مؤسسات الدولة الوليدة هناك او عدم الخبرة، وهذه العوامل تنتفي في الحكومة السودانية مما جعل القضية تأخذ ابعاداً اخرى بعد قرار رفض الحريات الخمس، خاصة وان الجنوب ينظر للأمور في سياق سياسي لا قانوني.. هذا الأمر جعل حمد الجزولي معتمد معتمدية اللاجئين السودانيين في حديثه للصحيفة بقول ان مبدأ المعاملة بالمثل هو الذي يُطبق الآن على الشماليين في الجنوب بعد ان وضعتهم كأجانب، وعملاً بالقوانين الدولية في هذه الحالات، وهذا يتطلب من حكومة السودان توفيق اوضاع هؤلاء المواطنين عن طريق السفارة السودانية بجوبا باستخراج الأوراق الثبوتية اللازمة لتقنين اوضاعهم وفق مصالحهم هناك، وحسب قانون الأجانب بدولة الجنوب، وفي المقابل يرى جهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج انه بمجرد ان اصبح الجنوب دولة مستقلة وذات سيادة، فان اي مواطن سوداني تنطبق عليه شروط السوداني خارج بلاده وتشمله رعاية الجهاز ولكن كل هذا يتوقف على ما تتمخض عنه الرؤية السياسية النهائية بين الشريكين حول القضايا العالقة بما فيها ملف الشماليين بالجنوب.. ومايزال الوضع شائكاً اكثر لجهة ارتباط الملف بعنصر سكاني متحرك خصوصاً الرحل المتجهين للجنوب بحثًا عن المأكل لمواشيهم، ويزداد الامر تعقيداً كلما اتجه العنصر الشمالي المستقر في مدن الجنوب جنوباً ، والممتهن للتجارة، والخوف من التعرض لعمليات السطو على ممتلكاتهم كما حدث في المدة الماضية، فهل ستتحكم مجريات الوضع السياسي وتأزمه الواضح حول القضايا العالقة وتعنت دولة الجنوب في ظل تباطؤ حكومة السودان لمعالجة هذا الملف؟