بدأ الرئيس المصري المنتخب و«الأخ المسلم» الدكتور محمد مرسي مشوار حكم الإخوان في مصر بحديث متفائل فتح آذاناً كانت صماء وأعيناً كانت عمياء في مصر المؤمنة والعالم الإسلامي.. قدّم مرسي خطابه المتوازن في ميدان التحرير أمام الملايين المحتشدة غيّر مجمل الصورة الذهنية السالبة عن الإخوان المسلمين التي حاول البعض دمغ ووصم حركة الإخوان بها وهي بريئة منها، كما أن الخطاب كان لكل الشعب المصري بفئاته وتياراته المختلفة وهو كان موفقاً في هذا التحرك الزمني والتوقيت المناسب بوجوده في ميدان التحرير قبل أن يذهب إلى المحكمة الدستورية العليا لأداء قسم اليمين الدستورية أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، وهو محق في ذلك أن يؤدي اليمين أمام الشعب الذي منحه الشرعية واستمد منه القوة وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وأن الشعب هو صاحب السلطة الحقيقية التي تعلو على الجميع. تجربة الإخوان في مصر أمامها تحديات كبيرة أولها الالتزام بالمنهج وفق خطاب محمد مرسي لتحقيق وحدة النسيج الوطني وهو حقيقة ما قصده في خطابه الذي برزت فيه قوة العزيمة وصدق النيّة في المحافظة على الوطن وحماية قدرات الدولة المصرية و تبني الدولة المدنية والديمقراطية الحديثة التي تستوعب الجميع، وهنا يبرز التحدي الأكبر وهو أن ينجح الإسلاميون في المضي على مسار التداول السلمي والسلس للسلطة وفتح الباب لمشاركة الجميع وتحقيق التوافق مع القوى السياسية من غير الإخوان المسلمين. معظم القوى السياسية المصرية لمست في خطاب مرسي الجدية والمنهج المطلوب في التعامل لا سيما في المرحلة الحالية، لكن المحك الرئيس يكمن في تطبيق هذا المنهج والالتزام بعناصر الخطاب الرئاسي الأول الذي طمأن كل المصريين مسلمين ومسيحيين.. رجالاً ونساءً.. بأن الشعب هو مصدر السلطة الشرعية التي تعلو على الجميع وأن الأمة هي مصدر جميع السلطات، ومن أخطر الإشارات التي أوردها «مرسي» فى خطابه بميدان التحرير ومنحها الأولوية في مقدمة حديثه كانت إبراز احترامه لعمال السياحة وحبه لأهل الفن والإبداع والثقافة ولرجال الإعلام المخلصين لمصر وتأكيد تقديره لشهداء ومصابي الثورة المصرية التي جاءت به رئيساً، ذلك كان ذكاءً في خطاب الإخوان المسلمين المتجدد ومحاولة جادة لردم الهوة التي حاول أعداء ومعارضو الإخوان صناعتها بين الرئيس وهذه الفئات الحية والمؤثرة في مجتمع مصر الذي يعتمد على السياحة والفن بشكل كبير في اقتصاده ونشاطه وإدراك أن مصر بحاجة إلى حرية منضبطة في السياسة والاقتصاد والانتقال من مجتمع الدكتاتورية إلى عالم الديمقراطية التي تواجه عثرات كبيرة في الوطن العربي ودول العالم الثالث، ومصر دولة لها تأثير في المنطقة وتمتاز بعمق واسع في التجربة وصناعة القرار في الإقليم كما أن ما جرى في مصر وغيرها من بلدان الثورات قد أظهر حقيقة مهمة جداً وهي أن «البحوحة» الاقتصادية والترف الاجتماعي لا يقل أهمية عن الحرية السياسية وهو ليس كل شيء، ولذلك كانت أهم قيمة ورسالة بلغها «مرسي» لشعب مصر أنه ليس ضد الحريات وإنما لتأصيلها حتى تصبح الديمقراطية منهجاً متكاملاً في الحياة..!! «محمد مرسي» لم يختر ميدان التحرير عبثاً أو مجاملة و لكنه قصد تأصيل رمزية المكان الذي صنع التغيير والتحوُّل ونقطة الثورة التي يمثلها هو وهي ماضية لتعيد للمصريين حقوقهم المسلوبة، وهناك أيضاً دلالة أخرى للمكان وهو تحقيق الوحدة بذلك الحشد الذي ضاق به المكان على سعته وكذلك رمزية لحاجة مصر لنبذ الفرقة والعمل لأجل البناء وباشتراك كل الأيادي والأفكار دون تمييز إلا بمقدار العطاء لمصر وشعبها. من الصدف الغريبة التي تحتاج لبحث وقراءة وتأمل هو اقتران اسم محمد مرسي بالرقم «واحد» أو«الأول»، فهو أول رئيس لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، كما أنه أيضاً أول رئيس يتم اختياره بالإرادة الشعبية عن طريق الاقتراع الحر المباشر في أول انتخابات تعددية نزيهة في تاريخ مصر، كما يعد أول رئيس يتولى شؤون الحكم في البلاد بعد حوالى عام ونصف العام من قيام ثورة 25 يناير وخلع الرئيس السابق مبارك حيث كانت مصر تدار بواسطة المجلس العسكري، ويعتبر مرسي أول رئيس لمصر لا يملك صلاحيات واسعة «مطلقة» بعد الإعلان الدستوري المكمل الذي أعلنه المجلس العسكري في 17 يونيو الجاري، احتفظ فيه بالعديد من الاختصاصات والمهام لنفسه ومنها إدارة شؤون القوات المسلحة والموافقة على الشؤون التشريعية وهو كذلك أول رئيس تحدد فترة رئاسته، حيث لن يحكم مصر مدى الحياة كسابقه من الرؤساء، لأن مدة الرئاسة ستحدد بأربع سنوات أو أقل أو أكثر حسب الدستور المصري الذي سيتم وضعه لاحقاً، ويعد «مرسي» أول مرشح احتياطي أو «المرشح البديل» كما يسميه البعض، يخوض سباق الرئاسة حيث دفع به حزب الحرية والعدالة تحسباً لخروج مرشح الحزب السابق خيرت الشاطر، الذي تم بالفعل استبعاده من المنافسة في الانتخابات الرئاسية وكذلك حصل د.محمد مرسي على المركز الأول في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، فقد تفوق على ال «12» مرشحاً الآخرين وحصل على نسبة«25%» من مجموع الأصوات الصحيحة مما أهله لخوض جولة الإعادة، أما بالنسبة لحياته الخاصة، فمرسي هو أكبر إخوته سناً حيث نشأ في أسرة مصرية بسيطة في محافظة الشرقية وله «5» أشقاء، ثلاثة من الذكور وأختان.. وأختم هذه الزاوية بالاقتران الأخير ل «مرسي» الذي جمع ما بين «الأول» واسم «محمد» الذي هو اسم معظم الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر وهو يعد أول رئيس غير عسكري «مدني» يحكم مصر منذ تحول نظام الحكم في مصر من الملكية إلى الجمهورية إثر قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 حيث سبقه الرؤساء «محمد نجيب» وجمال عبدالناصر و«محمد أنور السادات» و«محمد حسني مبارك» وجميعهم من العسكريين .!!