أوضحت الوثائق البريطانية لعام 1971م التي رُفع عنها الحظر، كيف أن وزير الخارجية الدكتور منصور خالد ظلّ يطارد ويلاحق السيد/ محجوب عثمان رئيس تحرير صحيفة الأيام ووزير الإعلام وسفير السودان بكمبالا. وذلك بعد أن لجأ محجوب عثمان إلى بريطانيا، بعد فشل انقلاب الحزب الشيوعي بقيادة هاشم العطا في 19/يوليو 1971م. كان منصور خالد ومحجوب عثمان وزيرين في أول حكومة للرئيس جعفر نميري في 25/مايو 1969م. حيث شغل منصور خالد منصب وزير الشباب والرياضة، بينما شغل محجوب عثمان منصب وزير الإعلام. بعد فشل الإنقلاب لجأ السيد/ محجوب عثمان إلى بريطانيا، وأصبح الدكتور منصور خالد وزيراً للخارجية، حيث جعل في ذروة أجندته مطاردة وملاحقة رفيقه السَّابق في الوزارة. وقد تدرَّج الدكتور منصور خالد في نظام الرئيس جعفر نميري في مختلف المناصب الوزارية حيث شغل مناصب وزارة الشباب والرياضة ووزارة الخارجية ووزارة التعليم العالي ثم مستشاراً للرئيس. وذلك في نظام الحزب الواحد الشمولي (الإتحاد الإشتراكي السّوداني)، الذي لم يكن في أي يوم من الأيام يؤمن بالتعددية السياسية، في أي نطاق مهما كان ضيِّقاً. وقد أثارت ملاحقة وزير الخارجية الدكتور منصور خالد على مستوى وزاري لمعارضيه السياسيين، أثارت سلسلة من المكاتبات بين الدوائر البريطانية الرسمية المختصة بالسودان. فقد كتب (بي. إم. مارسدن) من (قسم الشرق الأوسط. إدارة البحوث بوزارة الخارجية البريطانية)، كتب تقريراً بتاريخ 9/نوفمبر 1971م أرسله إلى السيد/ فولكنر (إدارة شمال أفريقيا). حيث أفاد السيد (مارسدن) بملاحظاته عن شخصيَتَيْ محجوب عثمان وعزالدين على عامر، وذلك حسب طلب إدارة شمال أفريقيا. حيث أفاد السيد/ «ماردسن» بما يلي (الدكتور عزالدين على عامر من مواليد 1923م. طبيب. عيادته وكر لأعضاء الحزب الشيوعي. عضو بالحزب الشيوعي السوداني منذ عام 1946م. في مايو 1956م قاد وفداً سودانياً غير رسمي في مهمة شملت الصين. وكان الهدف تطوير العلاقات الثقافية والإقتصادية بين البلدين. أصبح عام 1959م رئيس جمعية الصداقة السودانية - الصيِّنية. فكَّر في عقد اجتماع بين الحزب الشيوعي السوداني والوفد الصّيني الذي زار السودان عام 1964م برئاسة رئيس الوزراء «شوان لاي». وذلك لمناقشة الخلافات الصينية-السوڤيتية، ولكن الصينيين رفضوا الفكرة. ظلّ دائم النشاط بين عامي 57-1958م في نشاطات مؤتمر التضامن الآفرو- آسيوي. يرى أن للسودان دور خاص كجسرٍ بين أفريقيا والعالم العربي. وهو على اتصال بحركات التحرر في تنزانيا ويوغندا. وعمل كوسيط مع الكينيين في مكاتباتهم مع القاهرة وموسكو. في أواخر العام بزغ نجمه كمنافس على منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي ليخلف عبدالخالق محجوب. ولكن حال دون ذلك اتهامات وجِّهت له تتعلّق بعلاقاته مع الصّين. المرشح الأقرب لمنصب السكرتير العام للحزب الشيوعي بعد عبدالخالق محجوب هو الدكتور الطاهر عبدالباسط الذي ساند عبدالخالق محجوب في الصراع الداخلي في الحزب الشيوعي في أبريل 1970م. أطلقت الصحافة السودانية في أكتوبر 1971م على «عزالدين علي عامر» لقب «قائد جبهة المقاومة الشعبية»، التي تتخذ من لندن مقرَّاً لها. تقول تقارير الحزب الشيوعي عن عزالدين على عامر أنه محبّ للحياة الأرستقراطيَّة، وليس له رصيد يذكر بين الجماهير، ومتزوِّج من أمريكيّة تعمل في سفارة واشنطن في لندن). ثمّ يستطرد السيد/ (مارسدن) في خطابه الوثيقة إلى وزارة الخارجية البريطانية في الحديث عن محجوب عثمان ليقول (محجوب عثمان ولد بأم درمان حوالي عام 1925م. بدأ حياته موظفاً في شركة (شل) ببورتسودان ثم التحق بصحيفة (الأيام) عام 1965م. شيوعي منذ نشأته. زار بكين وموسكو. شارك في أحداث 1958م الشيوعية. وراجت حينها اعتقادات بأن محجوب عثمان عميل للمخابرات المصرية. محجوب عثمان شخصية طموحة. ولا يُعتبر شيوعي جيِّد بمعايير الحزب. له سمعة سيئة كوزير، لإنحيازه إلى المعسكر الشيوعي. لقي إبعاده للوزارة ترحيباً شعبياً). إنتهى تقرير (مارسدن). من غرائب السياسة أن الدكتور منصور خالد الوزير البارز في النظام المايوي الدكتاتوري والكادر السياسي القيادي في نظام الحزب الواحد الشمولي، والذي أحال وزارة الخارجية إلى عصا غليظة لملاحقة معارضيه السياسيين، وهم في المنفي خارج السودان، أصبح في حقبة «الإنقاذ» واعظاً عن التحوُّل الديمقراطي في السّودان، وتصحيح مسار الديبلوماسية السودانية، واستيفاء استحقاقات الحريات السياسية. من غرائب السياسة أن يصبح الدكتور منصور خالد المستشار السابق للمتمرد جون قرنق، واعظاً عن التحوُّل الديمقراطي والحريَّات السّياسيَّة، بمعيَّة الشيوعيين من كوادر الحركة الشعبية من أمثال ياسر عرمان، من الذين يصغرونه كثيراً، عمراً وعلماً وتجربة. الدكتور منصور خالد من مواليد 1929م. وقد عمل مع الرئيس عبدالله خليل في الخمسينات. اليوم في الثالثة والثمانين من عمره. في الفترة الإنتقالية التي أعقبت توقيع اتفاقية نيفاشا، شغل منصور خالد منصب مستشار برئاسة الجمهورية. ما هي الإستشارات التي قدَّمها للرئاسة السودانية خلال تلك الفترة، وماذا أفاد السودان منها؟. وأيضاً ماذا قدَّم منصور خالد لمنتج الصمغ العربي في السودان؟.