هو مثقف وهي مثقفة، كانت تثور بينهما مناقشات حول حياتهما الزوجية وذلك لإيمانهما أنه بعد انقضاء فترة التوابل والبهارات من الحياة الزوجية لا يبقى إلا الحوار الهادئ المثقف ملح الحياة الزوجية. اتفقا أن يقولا نصف الحقيقة فقط ويحتفظ كلٌّ منهما بالنصف الآخر. قالت له: ولكني لاحظت أن النصف الذي تبوح به هو النصف الذي يخلو من الحقيقة. قال لها: وماذا عن النصف الذي تحتفظين به أنت. هي هو نصف أم ثلاثة أرباع؟ إن الذي تبوحين به لا يساوي عشراً. فأنت للآن لم تصارحيني لماذا تزوجتيني. قالت له أتريد نصف الحقيقية؟ إذن أقول ذلك. كأي فتاة كنت أنتظر الرجل المناسب لأتزوجه وفي فترة الانتظار هذه تزوجتك، ولكن قل لي ربع الحقيقة فقط لماذا تزوجتني! قال لها: كانت والدتي توصيني قائلة: في هذه الأيام التي اختلطت فيها الألوان تمعن جيداً فالبنت التي تتمسح بديانا خلي بالك من «كيعانا». وطبقت هذه الوصية على عدد من البنات ووجدتك الوحيدة التي تنساب فيها الألوان دون نشاز. قالت بحدة: الآن فهمت. ولكن كان المفروض أن تحمد الله على زواجك مني. فأنا قد قمت بشراء كل هذه الأشياء. فلولا أموالي لما جئنا بالسيارة ولولا أموالي لما جئنا بجهاز التلفزيون والفيديو ومفروشات الشقة والثلاجة والمطبخ الإيطالي فلولا أموالي لما جاءت كل تلك الأشياء؟ قال لها وهو ينطق بنصف الحقيقية: - ولولا أموالك لما جئت أنا!! رجل عصامي قال الرجل وهو يتحدث عن إنجازاته في عالم المال والتجارة: - لا تظن أنني قد حققت كل هذا في يوم وليلة. لقد كان المشوار طويلاً ... سهرت حتى ظننت أنني لن أنام من بعد. وعرقت حتى خيل الى أن أنهاراً من العرق قد تفجّرت في داخلي.. فبالسهر والعرق والكد والدموع استطعت أن أبني هذا المجد التجاري. بعض الناس يتحدثون عن إنجازاتهم وهم يعزون سبب نجاحهم لعوامل إنشائية أي مثل تلك التي نقرأها في مقالات الإنشاء مثل السهر والعرق والدموع وهلم جرا. فالرجل صاحب تلك الإنجازات الباهرة سهر فعلاً خارج البيت مع أصحابه في انتظار أن يسمع خبر وفاة والده.. فقد ظل يتحدث لأصحابه عن هذه اللحظة طويلاً. والرجل صاحب تلك الإنجازات قد عرق كثيراً خاصة عندما ضبطه والده وهو يزوِّر في الحسابات ويحاول أن يقتطع لنفسه جزءًا من الثروة قبل أن يموت والده ويومها تصبب منه العرق كثيرًا وتساقطت منه الدموع وهو يبحث في قاموسه عن كلمات يبرر بها فعلته تلك أمام تساؤلات والده. ولكنه عندما توفي والده زاد رصيده خمسة مليارات من الجنيهات هي التي تقف أرضية لمكانته في عالم التجارة والمال اليوم. أرأيت ماذا يفعل السهر والدموع والعرق في بناء هذا البرج المالي. المائل؟! الكبار خارج شبكة الصغار الأطفال لهم خيال رائع ولغة مباشرة تثير الدهشة. ألا تشعر أننا في كثير من الأحيان نكون خارج شبكة تفكيرهم؟ إحدى المدرسات في مدرسة أمريكية أرادت أن تختبر ما يدور بأذهان الأطفال الذين تتعامل معهم في الأعمار من أربعة إلى ست سنوات فطلبت منهم أن يكتب كل واحد خطاباً لله. وكانت النتيجة غاية في الطرافة والغرابة.. ولكن ماذا نقول؟ هذا ما كان يدور في رؤوسهم الصغيرة. ساندي ذات الأربعة أعوام كتبت تقول: «يا ربي العزيز.. إذا كنت ستحضر للكنيسة يوم الأحد سأريك حذائي الجديد الذي اشتراه لي أبي». ترى ماذا كان يدور بذهنها في تلك اللحظة التي كتبت فيها خطابها؟ أغلب الظن أنها كانت مشغولة بذلك الحذاء وفرحتها به لا توصف. أما ليندا فقد كان يشغلها أمر آخر.. «ربي العزيز... هل قصدت أن تخلق الزرافة بهذا الشكل أم أصابها حادث؟» وقد جاء دور تيموثي الذي كتب قائلاً: «ربي العزيز.. لقد خلقت الشمس وصنع توماس أديسون المصباح الكهربائي.. أعتقد أنه سرق فكرتك». وتقرأ في أفكار هؤلاء الصغار لتكتشف أن عالمهم من الصعب التنبؤ بمحتوياته. إلا أنه مدهش.. ولو دوّنا ما يتفوه به أطفالنا ربما استطعنا أن نتعرف على بعض من تفكيرهم. ابني مصطفى كان في الخامسة من عمره وكان يجلس أمام التلفزيون إلا أنه كان منهمكاً في رسم صورة. فكان يأخذ لوناً يشخبط به ثم يتناول لوناً آخر وهكذا.. وفي مرة من المرات كان يبحث عن شيء ويبدو أنه لم يعثر عليه.. وظل يقلب الأوراق ويبحث تحت المنضدة وعلى الكنبة ثم توقف لحظة وكأنه يسأل نفسه: يا ترى أين وضعته؟ أين وضعته؟ فسألته: - يا مصطفى.. إنت بتفتش لشنو؟ أجابني: - بفتش للأخضر الإبراهيمي.. وابتسمت ضاحكاً لأن الأخبار في تلك الأيام عندما كانت الحرب الأهلية اليمنية مشتعلة كانت تنقل أخبار السيد الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأممالمتحدة لليمن وهو في رحلاته المكوكية لحل مشكلة اليمن. ولكن ما فاجأنا به حقيقة كان غير متوقعاً وهو في مثل تلك السن وكنا في طريقنا من الطائف إلى جدة أن سأل أخاه أحمد دون مناسبة: - يا أحمد انت بعدين لما تكبر حتتزوج؟ ولكن أحمد لم يأبه للسؤال المفاجئ فلم يجبه وعندها كرر مصطفى سؤاله أجابه أحمد متضايقاً: - يا أخ.. مش حأتزوج. وصمت مصطفى برهة ثم قال: - إذاً أنا نسل العايلة دا كلو حيتوقف عليّ.. واندهشنا كلنا وشعرت في تلك اللحظة بأنني قد وُضعت على الرف وأن مهمتي قد انتهت. حاولوا أن تستمتعوا بدهشة بريئة وأنتم تتجاذبون أطراف الحديث مع هذا الجيل التلفزيونجي كما كان يصفهم الشاعر صلاح جاهين. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تُهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سنّ الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.