فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    هل تنعش التحرّكات الأخيرة عملية السلام في السودان؟    "إهانة لبلد وشعبه".. تغريدة موجهة للجزائر تفجّر الجدل في فرنسا    الفارق كبير    مدير شرطة ولاية الجزيرة يتفقد شرطة محلية المناقل    السعودية "تختبر" اهتمام العالم باقتصادها بطرح أسهم في أرامكو    العمل الخاص بالأبيض تحقق إنتصاراً كبيراً على المليشيا المتمردة    ميتروفيتش والحظ يهزمان رونالدو مجددا    تصريحات عقار .. هذا الضفدع من ذاك الورل    طموح خليجي لزيادة مداخيل السياحة عبر «التأشيرة الموحدة»    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    عقار يلتقي وفد المحليات الشرقية بولاية جنوب كردفان    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    (شن جاب لي جاب وشن بلم القمري مع السنبر)    شائعة وفاة كسلا انطلقت من اسمرا    اكتمال الترتيبات لبدء امتحانات الشهادة الابتدائية بنهر النيل بالسبت    كيف جمع محمد صلاح ثروته؟    اختيار سبعة لاعبين من الدوريات الخارجية لمنتخب الشباب – من هم؟    حكم بالسجن وحرمان من النشاط الكروي بحق لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    المريخ السوداني يوافق على المشاركة في الدوري الموريتاني    شاهد بالفيديو.. مستشار حميدتي يبكي ويذرف الدموع على الهواء مباشرة: (يجب أن ندعم ونساند قواتنا المسلحة والمؤتمرات دي كلها كلام فارغ ولن تجلب لنا السلام) وساخرون: (تبكي بس)    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني أبو رهف يلتقي بحسناء "دعامية" فائقة الجمال ويطلب منها الزواج والحسناء تتجاوب معه بالضحكات وتوافق على طلبه: (العرس بعد خالي حميدتي يجيب الديمقراطية)    شاهد بالفيديو.. بصوت جميل وطروب وفي استراحة محارب.. أفراد من القوات المشتركة بمدينة الفاشر يغنون رائعة الفنان الكبير أبو عركي البخيت (بوعدك يا ذاتي يا أقرب قريبة) مستخدمين آلة الربابة    مصر ترفع سعر الخبز المدعوم لأول مرة منذ 30 عاما    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الأربعاء    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    الموساد هدد المدعية السابقة للجنائية الدولية لتتخلى عن التحقيق في جرائم حرب    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    السعودية: وفاة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    والي ولاية البحر الأحمر يشهد حملة النظافة الكبرى لسوق مدينة بورتسودان بمشاركة القوات المشتركة    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يترأس اجتماع هيئة قيادة شرطة الولاية    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    بيومي فؤاد يخسر الرهان    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وليل العاشقين طويل
نشر في الانتباهة يوم 13 - 07 - 2012

مثل كائن غريب هائم في الليل، يخبط خبط عشواء، أو كحاطب ليل يجمع في حزمته حتى الأفاعي.. هكذا دائماً هي السلطة أي سلطة في الدنيا والتاريخ.. عندما تفقد قدرتها على الاستبصار والنظر الدقيق وتفلت الأمور من بين أيديها مثلما يفرُّ الماء من بين فروج الأصابع...!!
ولا شيء يجعلها جرباء وشمطاء مكروهة عند الشم والتقبيل، مثلما هي عليه.. عاجزة، مترددة، متحللة، عاثت فيها بكتريا الانهزام واجتاحتها فيروسات الانحدار والانهيار، فسقفها كأنه آيل للسقوط وبيتها تتناوشه الرياح من كل جانب، وأصحابها على سررهم السراب يتوهمون أن هناك ما يصدُّ عنهم من الريح عصفها وهم سادرون.. وقديماً شبهها العقلاء والحكماء من أهلنا البسطاء ، بأنها مجرد «ضل ضحا» تزول وتزهق وتنفق ولا تبقي على أحد ولا تمكث للأبد لمن ظنَّ أنه بها بلغ الكمال.
«ب»
من مقابحها الكبار هذه الزائلة المائلة، أنها حين تلفظ منسوبيها وتلقي بهم عند قارعة الطريق، تسلبهم ذلك التماسك والبريق النظيف وتأخذ منهم طلاوة النفس الذكية فتشوه مظاهرهم ومخابرهم، فيصبحون وكأنهم على فعلتهم نادمون..
وحملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
وطوينا في ضياعٍ قاتم.. عاماً فعاما
وبقينا غرباء
وبكينا يوم غنى الآخرون
هكذا يتراءى للناس كل وزير سابق أو دستوري انحسرت عنه غلالة السلطة الزاهية ولم تعد تغطي صدره بألقها ولا رجليه العجفاوين ببعض الستر الجميل..
وليس هناك ما هو أقسى من ملفوظي الكراسي السلطوية وهم في وداعهم المجيد لها، يتقاطرون إلى حوائط مبكاهم كالفراشات على نار الهوى جئن إليه واحترقن.
مثل الرياح تفعل في عقول البعض فعلها، فإما تحولوا لنقاد شديدي الوطأة وهم ينتقدون كل صغيرة وكبيرة أو مكرهين على جلد الذات حتى تسيل كل الدماء.
«ت»
السلطة نار وليست نور، لا يصطلي أحد بها إلا أحرقته، ولا يتوهم ظان أنه سيبلغ بها نهاية الأرب إلا أركسته وماكسته، وبرقت له في ناظريه كالسحاب الخلَّب ثم ولّته ظهرها وقلبت له ظهر المجن...!
ولهفي على رجال كبار دكّت السلطة حصونهم. وهم إما مهنيون انتُزعوا من وظائفهم وأماكن رزقهم ومواطن خبراتهم وأجلسوهم على مقاعدها الكاذبة ثم جُردوا منها فما استطاعوا مضياً في دروب السلطة اللولبية الحلزونية ومتاهاتها وفجاجها، ولا عادوا غانمين حيث كانوا، فكل شيء ضاع كالعمر النضير والآمال الباسقات والوعد الجميل.
وضحايا السلطة ولعبة السياسة كالسابلة، لا يتذكرهم أحد ولا يحفل بهم خلقهم العاق، قد ترى خبيراً بارزاً في مجاله سحقته الحياة بعد أن تلوّث بروث المنصب الخادع، أوعسكرياً ازدحم صدره وتلألأ بالنياشين غازلته السلطة وأوقعته في حبائلها ثم ركلته للشارع العريق يبكي على مجد لم يكتمل وعلى نياشين لم تسقه ماء الحياة بعزة مثل العِظام الكرام.. وربما ردد أحدهم ما قاله محمود درويش ..في قصيدة صوت وسوط:
لو كان لي برج،
حبست البرق في جيبي
وأطفأت السحاب..
لو كان لي في البحر أشرعة،
أخذت الموج و الإعصار في كفّي
ونوّمت العباب..
لو كان عندي سلّم،
لغرست فوق الشمس راياتي التي
اهترأت على الأرض الخراب..
لو كان لي فرس،
تركت عنانها
ولجمت حوذيّ الرياح على الهضاب..
لو كان لي حقل ومحراث،
زرعت القلب والأشعار
في بطن التراب..
لو كان لي عود،
ملأت المتن أسئلة ملحّنة،
وسلّيت الصحاب..
لو كان لي قدم،
مشيت.. مشيت حتى الموت
من غاب لغاب..
لو كان لي،
حتى صليبي ليس لي
إنّي له،
حتى العذاب!
_ ماذا تبقّى أيُّها المحكوم؟
إنّ الليل خيّم مرّة أخرى..
وتهتف: لا أهاب؟!
_ يا سيداتي.. سادتي!
يا شامخين على الحراب!
الساق تقطع.. والرقاب
والقلب يطفأ لو أردتم
والسحاب..
يمشي على أقدامكم..
والعين تسمل ،والهضاب
تنهار لو صحتم بها
ودمي المملّح بالتراب!
إن جفّ كرمكم،
يصير إلى شراب!
والنيل يسكب في الفرات،
إذا أردتم ، والغراب..
لو شئتم.. في الليل شاب!
لكنّ صوتي صاح يوماً:
لا أهاب
فلتجلدوه إذا استطعتم..
واركضوا خلف الصدى
ما دام يهتف: لا أهاب!
«ث»
أما أطوار هذا السرداب الأسود الطويل والثقب الهلامي المسمى السلطة، فلا أحد يستطيع تحديد مداها، فلديها قدرة مدهشة على استخدام جاذبيتها المغنطيسية في جذب فرائسها واختيارهم واستدراجهم. وذات القدرة على تنفير من لا ترغب فيهم إلاً وذمة.. الجميع عندها يصلحون إلا من نفرت منه وارتعدت فرائصها من مرآه، وكلهم عندها مقمحون إلا من لانت له وأفرخ روعها ومالت إليه، فهي كأنثى العنكبوت إذا قضت وطرها من ضحيتها قتلته وامتصت دمه ورمته كجيفة نتنة لا يصلح بعدها لشيء سوى الطمر في جوف التراب.!
لكنها ذات قدرة على التوافق مع نوع خطير من خطابها وطلابها الذين يجيدون مآكل الأكتاف منها، ويراوغون مراوغة الثعالب وهم في حلباتها على جباههم سيماء الزيف والملق والفجور.!
«ج»
هذه الأنواع المتماهية مع شؤم السلطة، أنواع باذخة الأنحاء عند مباهج الحكم ومظان ومكامن قوته وبريقه، تتحدث بأكثر من لسان وتتصيّد كل لحظة تفتح فيها السلطة آذانها لتسمع مديحها أو أسرار الكامنين الحاقدين لها، أو حين تشرع أبواب قلبها الصخري للمتعبِّد المبتهل الذي يسبِّح بحمدها آناء الليل وأطراف النهار.
انظروا فقط للذين يدورون في فلك أي سلطة ومداراتها، أليسوا هم بعض أصحاب الطنين المخنّث، وأصحاب المخالب السلطوية الدامية التي تنهش لها لحوم خصومها أو تطن في آذانهم وتروعهم لها دونما توقف؟.
أليسوا هم المشاءون بنميم، يزحفون كما تمشي الأراقم في الصعيد ينفثون سمومهم، ويتضاءلون في ذواتهم ويختزلون الحياة كلها في مجرد ترتيل تافه عند معبد السلطة ولا سلطة هناك.
«ح»
حسب المرء في هذه الحياة بعض التماسك والكبرياء، فكلما تلاعبت به رقاقات البهرج المزيف، لا تنخدع عينه ولا تبهره الأضواء ومساقطها والأصوات وملاقطها، فالحياة في الطرف الآخر من نهرها هي أجمل وأوسع وأكثر اطمئناناً وأمناً من الجلوس وسط سلال الأفاعي السامة.
السلطة هي هذه السلال، يتنافسونها كما الدنيا التي يتنافسونها فيكونون عراة من أخلاقهم وخلالهم، ويتحولون لجوارح لا تعرف إلا الضرب بالمخلب والمنقار الكاسر، وفي النهاية تبتسم السلطة كساحرة أسطورية مُلئت شراً بأنها روّضت هؤلاء وسقتهم حليب السأم المدمِّر.
وهكذا قال الشاعر قاسم حداد في ليلة ذات يأس بالغ:
هنا يأس سينقذنا من الأحلام،
نحن شهوة الفردوس
نهذي في جحيمٍ غير مكتمل ٍ
لكي نسهو عن المكبوت والرغبوت.
لو نار ستوقظ ماءنا... كنا تمادينا لئلا ننتهي.
يا منتهانا
هل سرى ترياقنا فينا
فأدركنا مرارتنا وأوشكنا على ندمٍ
فقدنا منحنى أحلامنا في الوهم،
قلنا شعرنا كي يفضح المعنى ويغفر أجمل الأخطاء،
لو قلب لنا أغفى على كراسة الأسماء
كنا ننثني شغفاً، فنشهق في اندلاع الحب
يذبحنا ويلهو في شظايانا.
بكينا مرةً للحب، لم نكمل أغانينا.
بكينا حسرةً،
وتماهت الذكرى مع النسيان،
لو كنا مزجنا ليل قتلانا بماء النوم
لم نهمل قصائدنا على ماضٍ لنا.
متنا قليلاً وانتهينا في البداية،
لم نؤجل سرنا
كنا انتحرنا قبل قتلانا وأخطأنا كما نهوى،
فلا ماء سيرثينا ولا نار ستمدحنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.