تعتبر مشكلة الشباب في العالم العربي من إحدى القضايا الهامة والأساسية باعتبارهم يشكلون الطاقة البشرية والحيوية القادرة على القيام بالعمليات النهضوية والتنموية بالانطلاق من التعليم والتربية والثقافة والإعلام والقيم الدينية والاجتماعية بمشكلات الشباب، حيث تقدر نسبة الشباب في العالم العربي بحدود «20%» من مجمل سكان العالم العربي «أي قرابة 50 مليون شاب وشابة»، وهذا العدد الكبير يتطلب منا دراسة أوضاعه والوقوف عند همومه وطموحاته باعتبارهم الرصيد الإستراتيجي والثروة الحقيقية، وإن مشكلتهم الحقيقية تنبع من خلال سياسات التنمية والإعلام والتشغيل والتربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية والسياسية؛ الأمر الذي يفرض ضرورة مشاركة عدد كبير من العلماء والباحثين والكتاب والمفكرين وعلماء النفس والاجتماع على التربية والتعليم في وضع إستراتيجية مستقبلية تتبنى جيل الشباب وتساعده على تجاوز الصعوبات والمعوقات التي تعترض سبيله وتساهم في ذلك الحكومات العربية، ومختلف مؤسساتها الشعبية والرسمية والنقابية والأسر.. وفي هذا الصدد أقامت الدائرة الاجتماعية بمركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث سمنار «الشباب والتحديات المعاصرة» واجمع الباحثون والمختصون في هذا الشأن على ضرورة دراسة التحديات الماثلة خاصة التحدي الإعلامي، واختلفوا حول أولويات التحديات، وقالت الباحثة بلقيس أحمد التجاني إن الشباب هم رأس مال الأمة والأدوات الفاعلة لنهضتها مؤكدة أنها فئة تعاني من تحديات كبيرة تكاد تهدد هويتهم الثقافية والحضارية، وحصرت التحديات في محورين أساسيين هما طبيعة التحديات وأقسام التحديات، وحصرت مظاهرها في محاولة الهيمنة على العالم الإسلامي بالغزو الثقافي الغربي، الحملة الصهيونية، تيار العولمة الكاسح والتي سمتها بمصطلح «الأمركة» والانفجار المعرفي في سائر العلوم عن الأمم المهيمنة بفرض نظام عالمي جديد وتغريب العقول وتضليل الشعوب بمسمى الإرهاب لتنخرط في مواجهة الإسلام، وأشارت بلقيس إلى أشكال أخرى منها الأزياء وتصاميمها، الأطعمة وتغيير الأذواق الاجتماعية وتفتيت البنى السياسية والاجتماعية، وقالت: إن أكبر التحديات هو الهجمة العنيفة على الأسرة والمرأة إضافة للتحدي الإعلامي المتمثل في مختلف الوسائل كالتلفاز بنقله لثقافات الآخرين إلى مجتمعنا الإسلامي بكل ما تحمله من إيدولوجيات وسلوكيات ومفاهيم من خلال تشويه صورة المسلم والعربي خاصة في عرض أفلام تعنى بإبراز نموذج سيئ للعالم العربي والإسلامي والتي وصفته بالخطير والمدمر للعقول، والمجلات وما تعززه من هدم للقيم والأخلاق. وأشارت إلى تحدٍ من نوع آخر وهو تحدي القراءات الغالبة المنقوصة واختلال فقه الموازنة معتبرة هذا النوع من التحديات هو الأشد خطراً حيث إنه ينطلق من داخل المسلمين أنفسهم ويتسم بالقراءة المنقوصة والتي تنبع من غرور أو هوى أو قراءة خاطئة للنصوص الشرعية أو خلل في فهمها وجهل فقه الموازنات الشرعية، مما يؤدي إلى بروز الأفكار الهدامة والتطرف إضافة إلى تحدي الخلل في منهج التلقي معتبرة أنه تحدٍ ينبع من الخلل في مصادر التلقي الذي يجعل المتلقي مضطربًا في صياغته العقلية فضلاً عن تحدي العطالة وقضاء وقت الفراغ، وتركيز مؤسسات التعليم على التحصيل الأكاديمي. ولمواجهتها والخروج منها ذكرت بلقيس عددًا من الضوابط منها الفهم الصحيح العميق للإسلام، وإدراك الحقائق بموضوعية والتأني في إطلاق الأحكام والتوازن بين العقل والعاطفة، إضافة لفهم الواقع المتشابك وإدراك طبيعة الصراع الحديث وإدراك الشباب بالعلل والأمراض التي أصابت الأمة والشباب. وأوصي السمنار بإزالة التشوهات والانحرافات في وضع الأسرة، والاهتمام بالمناهج التربوية في جميع المراحل بجانب العمل على نشر الوعي في الأمة، وجمع شتاتها في ظل خطط التفريق بين العرقية والطائفية والمذهبية، والاهتمام باللغة العربية كمفهوم أساسي للهوية، وأن تعمل جميع المؤسسات الإعلامية في العالم الإسلامي والعربي بكل مميزاتها إلى إشاعة خطاب تأصيلي يجمع الأمة ويبصرها بواقعها وبذل الجهد في طباعة النشرات والبحوث التي توضح الرؤى الصحيحة وضوابط الفهم الدقيق والتواصل مع الشعوب الغربية ومؤسسات المجتمع المدني لتبيين حقائق الإسلام والدفاع عنه بجانب مراقبة مؤسسات التعليم الغربية ببلادنا، وإنشاء مراكز لإرشاد وتنمية قدرات الشباب، وتعزيز دور الأسرة في بناء ثقافة العمل وتوجيه البناء لاختيار مستقبلهم العملي وإيجاد فرص للعمل تلبي طموحاتهم. وإيجاد مفاهيم ثقافية وطنية واضحة تؤدي إلى تعميق مفهوم الانتماء لدى الشباب وتعزز الهوية وتفعيل مراكز الشباب وتنمية قدراتهم وفق المنهج الديني، والاهتمام برعاية الشباب للوقاية قبل العلاج .