كاتب وصحفي سوداني والقوة الغضبية هي التي بها يصول الأبطال في معارك الإسلام ويجولون، وعندما تنحرف هذه القوة عن ميدانها الأصيل إلى بنيات الطرق وتبطش وتقتل خطأً يأتي أمر الله الذي يرد النفس لفطرتها ويعالج فيها جانحة الهوى ويخفض منها علو الطغيان، ويعالجها بالصوم إذا صعب عليها عتق رقبة، وبصيام شهرين متتابعين، فتعود النفس وقد تطهرت من إزهاق روح وقتل نفس وَ«مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً» بل يأخذها بآداب أخرى مع صيام الشهرين، فهي لا تسطيع أن تتابع جموح النفس الغضوب إن سابها أحد أو قاتلها ولكن تتخذ من التحصن ب «اللهم إني صائم» من عاديات البشر وقسوتهم، وهي مدرسة الستين، التي تنتصر على أقوى المؤسسات العقابية في عالمنا الحديث التي يتيه فيها الإنسان المعاصر بزخرف من العلم. وكمال القوى العقلية أن تهدي صاحبها للإيمان وإعلان إيمانها بمنطق صحيح، وأن تجعل من التزام المسلم الصراط المستقيم في سلوكه هَدياً له وسمتاً، ولكن النفس قد تجانب الصواب، ويأتي الصوم ليردها إلى قواعدها آمنة مطمئنة شاكرة راضية: «لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ». ومثل ذلك تهاون بعض المسلمين في الحفاظ على الرباط الوثيق: الزواج، ويتخذونه قسماً يقضون به أغراضهم ويحسمون به خلافاتهم، والإسلام لا يعاقب الأسرة جميعها لطغيان لسان الزوج بعقوبة واحدة، لكنه قوَّم الزوج بالحرمان من الفراش شهرين يزين نهارها بالصيام «وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا» . وكما أن الصوم وسيلة ربانية في التربية والتقويم عند الزلل والانحراف، فهو أيضاً وسيلة في بناء الذات المسلمة التي تقوم بأمر الله فهماً والتزاماً: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». وجعل عباده يتقلبون في عبادتهم بين فصول العام، فمرة يصومونه شتاءً وأخرى خريفاً، ليس لهم من الأمر شيء، وكل عام يتغير المناخ والعبودية هي هي، والعبد هو هو، كما أن الرب هو هو. واختيار الله لشهر رمضان شهراً للصوم هو زيادة في تعبيد المسلمين الأوائل لله رب العالمين، فالعرب سمّت رمضان لأن العرب كانت تعده أشد فصول عامها حرارةً.