اجتاح التتار الدولة العباسية، وعاثوا فيها فساداً، وتعدوا على ممتلكاتها، وأسرفوا في تقتيل المسلمين، واحتلوا بقيادة زعيمهم «هولاكو» بغداد سنة ست وخمسين وستمائة 656ه،، ثم احتلوا الشام، وقاربوا حدود مصر. وأرسل هولاكو إلى حاكم مصر السلطان قطز كتابًا حاد اللهجة يطلب منه فيه الاستسلام لسلطان التتار ويحذره مغبة المقاومة، غير أن الملك المظفر قطز كان أقوى عزيمة وأمضى إرادة لذلك لم يعر تلك التهديدات انتباهاً، وأعلن الجهاد، وقاد الجيش بنفسه، ومعه الأمير »بيبرس«، وتحرك نحوه بعساكره قاصداً التتار ولما نزل بعين جالوت في فلسطين هاجمه التتار هناك في الخامس والعشرين من رمضان، وقامت معركة ضارية انتصر فيها المسلمون وانكسرت شوكة التتار. وقد خلد المؤرخ المشهور المقريزي هذه المعركة قائلاً: »فلما كان يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان؛ التقى الجمعان، وفي قلوب المصريين هَمٌّ عظيم من التتار؛ وذلك بعد طلوع الشمس، وقد امتلأ الوادي، وكثر صياح أهل القرى من الفلاحين، وتتابع الضرب، فتحيز التتار إلى الجبل. وعندما اصطدم العسكران اضطرب جناح السلطان، وانتفض طرف منه، فألقى الملك المظفر عند ذلك خوذته على الأرض، وصرخ بأعلى صوته: وا إسلاماه! وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة، فأيده الله بنصره، وقَتَل »كتبغا« مقدم التتار قتله جمال الدين الشمسي رحمه الله ، وانهزم باقيهم، وأبلى الأمير بيبرس أيضًا بلاء حسنًا بين يدي السلطان، ومرّ العسكر في أثر التتار إلى قرب بيسان، فرجع التتار، وصافوه مصافًّا ثانيًا أعظم من الأول «أي جمعوا جموعًا أكبر ونظموها»، فهزمهم الله، وقَتَلَ أكابرهم وعِدَّةً منهم. وكان قد زلزل المسلمون زلزالا شديدًا، فصرخ السلطان صرخة عظيمة، سمعها معظم العسكر وهو يقول: »وا إسلاماه« ثلاث مرات. ثم هتف: »يا ألله، انصر عبدك قطز على التتار«، فلما انكسر التتار الكسرة الثانية، نزل السلطان عن فرسه، ومرَّغ وجهه على الأرض وقبلها، وصلى ركعتين شكرًا لله - تعالى - ثم ركب فأقبل العسكر وقد امتلأت أيديهم بالمغانم.«