الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، أما بعد: فهذه أحكام مهمة تتعلق بزكاة الفطر: 1/ تعريفها: هي الصدقة الواجبة على أعيان المسلمين بانتهاء شهر رمضان. 2/ سبب تسميتها: أُضيفت إلى الفطر؛ لأنه سببها، ويدل على ذلك بعض الروايات كما في صحيح البخاري: (زكاة الفطر من رمضان).. (سبل السلام) 3/ حكمها: زكاة الفطر واجبة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس) (البخاري ومسلم).. قال خليل في مختصره: «يجب بالسنة صاع». 4/ متى فرضت؟ في شعبان من السنة الثانية للهجرة. 5/ حِكمتها: فُرضت طُعمةً للمساكين وتطهيراً للصائمين؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللَّغو والرفث وطُعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (أخرجه أبو داود). 6/ فضلها: تطهر الصائمَ من اللغو والرَّفث كما في الحديث السابق. 7/ على من تجب؟ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين» رواه البخاري ومسلم. وهل تجب على الصائمين فقط؟ أم أنها تجب عليهم وعلى المفطر بعذر شرعي كالشيخ الكبير؟. الجواب: تجب على الجميع.. أما حديث ابن عباس (طهرة للصائم) فقد قال الحافظ ابن حجر: «ذكر التطهير للصائم خرج مخرج الغالب) (الفتح3 /369)، ولأن كل الناس محتاجون للتطهير فهم مشتركون في العلة؛ فيشتركون في الحكم. 8/ أصنافها: صاع من طعام.. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب» (البخاري ومسلم).. والأقط: لبن مجفف لم تُنزع زبدتُه.. وقد ورد تفسير الطعام في رواية البخاري، حيث قال أبو سعيد: «كنا نخرج في عهد رسول الله يوم الفطر صاعاً من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر». قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (والنبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير؛ لأن هذا كان قوت أهل المدينة ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه) (ج2569). ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (صدقة رمضان صاع من طعام من جاء ببر قُبِل منه ومن جاء بشعير قُبِل منه ومن جاء بتمر قُبِل منه ومن جاء بسَّلْت قُبِل منه ومن جاء بزبيب قُبِل منه قال الراوي وأحسبه قال ومن جاء بسَوِيقٍ قُبِل منه) (رواه ابن خزيمة بسند صحيح). والسَّلْتُ: شعير لا قشر له.. وقد ترجم ابن خزيمة لهذا الأثر ب: باب إخراج صدقة الفطر من جميع الأطعمة.. فكل هذه الأحاديث تدل على أنها تخرج من قوت أهل البلد.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يتحدث عن زكاة الفطر: «ولهذا أوجبها الله طعاماً كما أوجب الكفارة طعاماً».. (الفتاوى ج25/73). 9/ مقدارُها: صاع من طعام والصاع: أربعة أمداد.. ويجزأ الربع المعروف عندنا عن ثلاثة أشخاص تقريباً، وبعضهم يراه ناقصاً عن ذلك بشيء قليل، والاحتياط مطلوب. 10/ مصرفها: تخرج للمساكين لحديث ابن عباس: (طعمةً للمساكين) خلافاً لمن قال: «مصرفها الثمانية المذكورون في آية التوبة»! فهذه في صدقات الأموال لا صدقة الفطر بدليل الآية التي قبلها: ومنهم من يلمزك في الصدقات وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى 2/81). قال ابن القيم رحمه الله : «وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة» (زاد المعاد) 11/ وقتُ وجوبها: قيل: بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وقيل: وقت وجوبها فجرُ يوم العيد وثمرة الخلاف في الطفل الذي يولد ليلة العيد قبل الفجر. ويجوز تعجيلها عن وقت الوجوب، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين (ابن خزيمة). 12/ يجوز إخراج قيمتها. فقد سُئِلَ ابن تيمية رحمه الله: عَمَّنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ: هَلْ هُوَ جَائِزٌ؟ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.. فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ.. وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلِهَذَا قَدَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبْرَانَ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الْقِيمَةِ وَلِأَنَّهُ مَتَى جَوَّزَ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ: مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ بُسْتَانِهِ أَوْ زَرْعِهِ بِدَرَاهِمَ فَهُنَا إخْرَاجُ عُشْرِ الدَّرَاهِمِ يُجْزِئُهُ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا أَوْ حِنْطَةً إذْ كَانَ قَدْ سَاوَى الْفُقَرَاءَ بِنَفْسِهِ» وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ.. وَمِثْلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَبِيعُهُ شَاةً فَإِخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا كَافٍ وَلَا يُكَلَّفُ السَّفَرَ إلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى لِيَشْتَرِيَ شَاةً وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ طَلَبُوا مِنْهُ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ فَيُعْطِيهِمْ إيَّاهَا أَوْ يَرَى السَّاعِي أَنَّ أَخْذَهَا أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ.. كَمَا نُقِلَ عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: «ائْتُونِي بِخَمِيصِ أَوْ لَبِيسٍ أَسْهَلُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِمَنْ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ».. وَهَذَا قَدْ قِيلَ إنَّهُ قَالَهُ فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ: فِي الْجِزْيَةِ.. (مجموع الفتاوى (ج 25 / 82)).