{ المعلوم عن ياسر عرمان منذ أن هرب إلى التمرد هو أنه أكثر المستفيدين من استمرار الوحدة بين شمال السودان وجنوبه، وبالمقابل أكثر المتضررين من انفصال الجنوب، وهذا ما جعله يهتف دائماً بشعارات الوحدة ويتحدث بصفته ينتمي إلى حركة عسكرية سياسية تمثل في عضويتها كل السودان.. وبهذا فقد أعطى عرمان الناس انطباعاً بأنه وحدوي جداً، وأنه أبعد الناس عن الفكر الانفصالي، وإن كان هو حسب الواقع والمعطيات الطريق الصحيح لحل الأزمتين الشمالية والجنوبية في آن واحد، فأزمة الشمال بسبب الوحدة هي مشكلة الأمن وفتح الباب لإنتهازية القوى الأجنبية باعتبار أن الجنوبيين مضطهدون كما هو الحال مع أقباط المهجر المصريين أيام حسني مبارك، أما الأزمة في الجانب الجنوبي بسبب الوحدة فهي أزمة نفسية بعد عنها الحديث عن مواطنة الدرجة الثانية والثالثة، وقالها رئيس دولة الجنوب سلفا كير في كنيسة القديسة تريزا بجوبا أمام حشد من المواطنين الجنوبيين قبل إجراء الاستفتاء، وقال سلفا كير حينها «إذا صوتم للوحدة فستكونون مواطنين درجة ثانية». إذن الأزمة هناك سبب استمرار الوحدة تبقى نفسية، وتبقى هنا أمنية وسياسية كما أوضحت آنفاً. المهم في الأمر رغم الأزمتين في الشمال والجنوب بسبب الوحدة إلا أن عرمان كان إمام الوحدويين في الحركة الشعبية «لتحرير السودان». إذن هو وحدوي.. ولكن مؤخراً أطلق موقع ويكليكس وثائق تخص الشؤون السودانية منها ما جاء فيها أن عرمان كان يتحمس للوحدة بين الشمال والجنوب، ومنها ما تشير إلى أنه يعمل مع عناصر مخابراتية إسرائيلية وإيرانية لفصل أقصى شمال السودان وأقصى جنوب مصر حيث يسكن النوبيون لإقامة دولة لهم.. وكذلك يتحمس عرمان مع الموساد حسب ويكليكس لانفصال جبال النوبة عن السودان، وربما طبعاً ضمها إلى دول الجنوب التي تعود إليها جذور زوجة عرمان. هذا هو عرمان الذي كان يعيب على منبر السلام العادل طرحه الانفصالي لعلاج أزمة الشمال وأزمة الجنوب بسبب استمرار الوحدة. كان عرمان يفكر في مصلحته الشخصية على حساب أربعين مليون نسمة في السودان القديم، لم يكن يريد لأزمتيهما هنا وهناك ان تعالج. لكنه الآن يحرض على مشروع انفصال خيالي وغير منطقي. فكل الولاية الشمالية في السودان ومعها نهر النيل تبقى تركيبة اجتماعية واحدة وحتى عاصمة الإقليم الشمالي بولايتيه تقع في أرض النوبيين السودانيين وهي دنقلا، وهم قبائل مشتركة مثل الزغاوة في أقصى الغرب والبني عامر في أقصى الشرق، فهل نفكر أيضاً في إقامة دويلة بين السودان وتشاد وأخرى بين السودان وارتريا؟! وهل ستكون هناك دويلة للأشولي بين السودان ويوغندا؟! وأيضاً للعبابدة جهة البحر الأحمر بين مصر والسودان؟! إن عرمان احترف مهنة العطالة في الفنادق، لم يجد منصباً دستورياً بعد اتفاقية السلام، وهو الآن يفعل ما يراه يحقق مصالحه. فهو قد تحول بعد انفصال الجنوب من وحدوي إلى انفصالي يسعى لتقسيم السودان بدون مبررات موضوعية مثلما كان بالنسبة للجنوب. جمعة إلغاء التطبيع بعد جمعات الانتفاضة الشعبية المصرية التي انطلقت منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي واستمرت إلى ما بعد إطاحة الدكتاتور الذي يرتدي ثوب الديمقراطية حسني مبارك، كان لابد أن تكون جمعة تصحيح المسار التي كانت أمس الأول قد شهدت في القاهرة الخطوات الأولى في اتجاه إلغاء اتفاقية كامب ديفيد اللعينة من قبل الشعب المصري ومن ورائه الشعب العربي ومن ورائه الشعب الإسلامي، والمسلمون شعب واحد مثلما مليار صيني في الصين يشكلون شعباً واحداً وكذلك قريب منهم في الهند. لكن لحسن حظ إسرائيل فقد توزع هذا الشعب الواحد في أكثر من خمسين دولة ودويلة. فقد قام فتية من أبناء مصر بتسوُّر جدران السفارة اليهودية احتجاجاً على وجودها دون الرجوع إلى الشعب. فقد رفع اليهود علمهم في مصر في عهد دكتاتوري كان يحتقر رأي الأغلبية، بل رأي كل شعب مصر، كان الرئيس في ذاك العهد هو محمد أنور السادات، وحينما أُحيلت إتفاقية كامب ديفيد إلى مجلس الشعب لانتزاع موافقة برلمانية مصرية على التوقيع عليها فشل نظام السادات في نتزاع الموافقة حينما اعترضت مجموعة من النواب على الملحقات السرية وفيها قصة ترعة السلام التي تمد من المفترض إسرائيل بمياه النيل، وفيها ما قاد إلى تمييع قضية العرب مع اليهود المحتلين أو الذين ورثوا احتلال فلسطين من الانتداب البريطاني، وكان هذا التمييع ثمناً لاسترداد سيناء. والسؤال لماذا يفكر السادات في أرض عربية واحدة داخل الدولة التي كان يحكمها ويصرف النظر عن بقية الأراضي العربية المحتلة؟! ثم لماذا يتدخل بعد ذلك في شأن القضايا الأخرى مثل القدس وغزة والجولان وجنوب لبنان المحتلة بقوات يهودية تجدالدعم اللوجستي السخي من بريطانيا وأمريكا؟! كان الأفضل ألا يجري التطبيع بين مصر وإسرائيل وأن تترك صحراء سيناء في إطار القضية العربية مع القدس والجولان وجنوب لبنان، لكنها صهيونية السادات. الآن جاء الوقت المناسب لإلغاء هذا التطبيع الذي وفَّر المبرر لكل من يعمل في المشروع الصهيوني ولصالحه من المتمردين في مختلف المناطق فهنا في السودان يتحفَّز عبدالواحد محمد نور قائد تمرد دارفور بعلاقات عربية إسرائيلية ويفتح مكتبه في فلسطينالمحتلة القائمة فيها دولة الكيان الصهيوني مع أن أي تطبيع مع إسرائيل لم يوافق عليه شعب من الشعوب بل يكون النظام دكتاتوري ويفرض على الشعب التطبيع مع أن في إسرائيل توجد ديمقراطية عنصرية تحترم رأي أغلبية اليهود داخل الدولة وخارجها ولكنها ترى التطبيع من صالحها وهو ليس من صالح العرب والمسلمين وبرافو شعب مصر.