إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم مافى الأرحام.. وما تدرى نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي ارض تموت إن الله عليم خبير «صدق الله العظيم » كلما أمسكت بكتاب الله ألوذ به من غياهب الحياة الدنيا بغية اغتنام جرعة روحانية بين السطور الجليلة. ففي صباح يوم الأحد أول أيام عيد الفطر المبارك توضأ وصلى الفجر وجلس يسبح لله يحمده ويستغفره.. وهو لا يعلم أنها خاتمة أعماله لهذه الحياة فسبحان من اليه الرجعى فقد أبت نفسه إلا أن يأتي الله طاهرًا نقيًا.. ساعتها سرت في مسارب النفس موجة تباريح الحنين والشوق الضارب في شعاب السنين حين أضحى في لحظة من عمر الزمان ولم يمهله الشوق إلى الله فقد عرجت روحه إلى بارئها وذهب في ضيافة الرحمن في ملكوته وهو يحمل التقى والصلاح. عندما تمددت أجنحة الحزن وتكسرت أشرعة الوجد في لوعة الزمن المفقود على شواطئ الشوق وخبا إلى الأبد خفقان الود والحنين وتوقف القلب الكبير الحاني عن النبض.. حينها طرز قميص الليل بغرة الفجر وباح بسره ليخلع الليل ثياب الظلمة الحالكة مفسحًا المجال أمام الصبح المسفر، وعندما تناثرت عقود النجوم في حضرة الجوزاء وانطفأ قنديل الثريا مؤذنًا برحيل البدر وحان موعد صلاة العيد.. وقتها أذن الله برحلة الوداع أن تبدأ فكانت بداية النهاية لأخي وصديقي وزميلي «عبدالحى الربيع» رحل عنا خلسة وترك جرحًا غائرًا لن يندمل وغصة ومرارة نتجرعها فقد أسبلت جفناه وراح في نومة أبدية لا صحوة بعدها إلا يوم العرض عليه سبحانه وتعالى.. اللهم أجزل له العطاء بقدر ما أعطى وبذل.. اللهم إنه عبدك أتاك وليس له زاد إلا تقواك فابسط يدك اليه واجعله مع الكرام البررة المتكئين على الأرائك واسقه برحمتك من الرحيق المختوم واجعله من الذين في سرر مرفوعة ونمارق مصفوفة وذرابي مبثوثة.. نسألك أن تفرغ علينا صبرًا نعبر به بؤرة أحزاننا وأن تسبغ علينا نصرًا من عندك وتعيننا على شدائد الدهر ونوائبه. وفى هذه اللحظات هرعت إلى المصحف الشريف اقلب صفحاته الجليلة وتوقفت عند قوله تعالى: «ما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير..» صدق الله العظيم.. ومنذ تلك اللحظات لم استطع حبس دموعي فسالت على خدي وبت في قلق من مواجهة ذات المنقلب وتسلل الشيطان بوساوسه الكريهة إلى نفسي.. وحاولت قدر طاعتى صرف هذا الخاطر من ذهني وذهبت فورًا لأتوضأ وأسجد لله العزيز القدير مستغفرًا ومنيبًا اليه. إنا لله وإنا اليه راجعون.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.