يمضي المغترب أصعب أيام وسني حياته في الغربة ويحتاج إلى من يسانده ويهون عليه اآلامها.. وهنا يبرز دور الزوجة والتي نجد أن المغترب في بحث دائم عنها، فيطرق بابها مستنجداً ولكنه يصطدم بواقع مستقبل الأبناء الذين لا بد أن يدرسوا في السودان، وبالتالي الزوجة لا تستطيع البقاء في سجن الغربة فتفضّل ترك الزوج لوحده والعودة للسودان.. عندها يصبح الزوج المغلوب على أمره بين أمرين أحلاهما مر، فيضطر للبحث عن من تقاسمه هم الغربة وعذابها فيكون الحل أمامه الزوجة الثانية رغم إدراكه لتبعات خياره.. «نافذة مهاجر» سلطت الضوء على هذه القضية بعد طرح قصص بعض النماذج ومن بعد ذلك معرفة الأبعاد النفسية على الأبناء، فكانت حصيلتنا: ٭ حكى لنا إبراهيم أحمد مغترب بالسعودية لأكثر من عشرين عامًا إنه بعد شهور من اغترابه أرسل إلى زوجته لتأتي للإقامة معه في الرياض وجاءت ولكنها لم تستطع العيش ولا التأقلم مع الغربة لأنها تعودت على حياة القرى السودانية البسيطة التي تقوم على التواصل والتوادد والتراحم لذلك رجعت ورفضت العودة مرة أخرى لسجن الغربة تحججًا بالأبناء، وذلك ما دعاني إلى الزواج من أخرى وأصبحت أنيسي في غربتي ولي معها عدد من الأبناء.. ٭ وأضافت أم فيصل قائلة: إنها اغتربت مع زوجها سني الغربة الأولى لكنها لم تتحمل جحيمها وبُعدها عن الوطن، ففضلت أن ترجع إلى السودان وتكون مع أهلها وأحبابها.. وأضافت:عندما أاجبرني زوجي على البقاء في الغربة فضلت الطلاق والعودة إلى أرض الوطن، وفعلاً عدت وبعد عام من عودتي تزوج زوجي بأخرى وكان شرطه أن تبقى معه في غربته.. وكانت هذه نهاية قصتي مع الاغتراب. ٭ ويخالفهم الحاج محمد مغترب «72» عامًا بقوله إنه أصبح أكثر حاجة إلى وجود رفيقة دربه لظروفه الصحية التي تستدعى ذلك، ولكنه استدرك بقوله إن أبناءه في مرحلة التعليم الجامعي الذي يتطلب وجودهم في السودان لتلقي أفضل تعليم، وأضاف قائلاً: إننا هنا نعاني من صعوبة التعليم الجامعي ونفضّل الجامعات السودانية لأنها أولى الخطوات لاندماج أبنائنا في المجتمعات السودانية لاكتساب الثقافة السودانية والهوية الجامعية التي بعدوا عنها بسبب الغربة، وأكد أن أسرته الآن أصبحت في صراع داخلي فأنا احتاج إلى زوجتي والأبناء يحتاجون إلى أمهم لأنها أقوى أعمدة التربية ولا بد أن تكون بجانبهم، وفي ذات الوقت أرفض فكرة الزوجة الثانية بالرغم من سماحة ديننا الحنيف وأصبحت زوجتي ما بين السعودية والسودان وذات فكر مشتت، وحاولت كثيرًا أن أترك الغربة وأرجع إلى السودان، لكن الغربة تشدني إليها والظروف الاقتصادية في السودان تطردني منه!! ٭ أما أحمد خضر مغترب «4» سنوات غير متزوج أكد أن شرطه للزواج من أي فتاة أن تقبل العيش معه في أي مكان خارج السودان أو داخله وفي حالة نقضها لهذا الشرط فلن يتردد في الإتيان بالزوجة الثانية إذ كيف له أن يتحمل نار الغربة لوحده من غير أنيس يواسيه!! حملنا قضيتنا بأبعادها وأسبابها ودلفنا بها لمكتب الباحث الاجتماعي د. عوض السيد الذي أكد أن الغربة أصعب اختبار للإنسان، ومضي الزمن يُشعر المغترب دائمًا بالوحشة ويحس بالوحدة والشوق الجارف إلى السودان والنيل وأهله وتراب وطنه، لهذا يصبح المغترب أكثر احتياجًا لزوجته لتخفف عنه آلام الغربة وعذابها فيطرق باب زوجته وأم أبنائه التي كانت في بداية حياته كل دنياه ولا يستغنى عنها.. ولكن تصده الظروف التي تفرض عليهم البعد من أجل الأبناء ولا يستطيع أن يكون معهم وأن يكونوا معه إلا خلال الإجازات المدرسية أو إجازة الأب السنوية ولذلك يحتاج لترتيبات كثيرة وتنتهي الإجازة ويرجع الشوق والحنين للمغترب فيزيد إحساسه بالغربة ولا يطفئ ناره إلا الزوجة الثانية التي تكون بجانبه لتؤنس وحدته لغياب الزوجة الأولى.. وهنا نجد أن كل الظروف تشابكت وأصبحت حائطًا منيعًا يواجه المغترب فيصبح في مفترق طرق ما بين تحمل نار الغربة وابتعاد الزوجة أو الولوج إلى مغامرة الزوجة الثانية ومحاولة إيجاد التوازن الذي أمره به دينه الحنيف.