رغم أن رئيس دولة الجنوب سلفا كير بعث بثماني رسائل إلى زعماء دول في إفريقيا والولاياتالمتحدة والشرق الأوسط وأوروبا في يناير الماضي طلبًا للمساعدة في استعادة الأموال التي سرقها مسؤولون جنوبيون حاليون وسابقون، حيث عادت من جديد روائح الفساد بكل أشكاله وصنوفه المالي والإداري والأخلاقي والاجتماعي، فائحة في جنوب السودان، لتزكم ليس فقط أنوف مسؤولي حكومة الدولة الوليدة ولكن أيضًا أنوف أصدقائها من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كان مسؤولوها شهودًا على ذلك الفساد الذي بدأت روائحه الكريهة تتطاير إقليميًا ودوليًا، ويقول أكثر الناس تمسكاً بالواقعية إن المثالية لا يمكن أن تصمد أمام بوابة الحياة الدائمة الانفتاح وبالعديد من المتغيرات التي تجعل من المثالية مطلباً محال التطبيق، لذلك تكثر حالات الفساد في المجتمعات المختلفة وبأنواع مختلفة ومتباينة، فتارة فساد مالي وآخر إداري وهنالك فساد أخلاقي وقيمي، وفي السطور القادمة نفتح الباب بشأن توالي ردود الأفعال الأمريكية حول موقفها من دولة الجنوب السودان والفساد المالي الذي استشرى فيها خاصة عقب هروب المستشار الأمريكي تيد داغني الذي رفض السكوت عن فضيحة الجنوب وفضل كشف المستور.. وفي السطور القادمة التطورات الجديدة للقضية التي دارت في العاصمة الأمريكيةواشنطن حتى مساء أمس. تفاصيل جديدة لماكلاتشي نشرت صحيفة (ماكلاتشي) الأمريكية تفاصيل جديدة عن فضيحة الفساد بدولة جنوب السودان، التى وصفتها بأنها سرقة جماعية لمبلغ (4) مليارات دولار من قبل حكومة سلفاكير، قبل أن ترى الدولة الجديدة النور، وأورد تقرير الصحيفة نصاً من رسالة سلفاكير لمنسوبيه الذين دعاهم لإعادة تلك الأموال التى ذكر فيها (قاتلنا من أجل الحرية والعدالة والمساواة، وقُتل العديد من رفاقنا لتحقيق هذه الأهداف، ومع ذلك، عندما وصلنا إلى السلطة، نسينا ما قاتلنا من أجله)، ويضيف المستشار الأمريكي الخاص لرئيس دولة الجنوب - تيد داغني الإثيوبي الأصل- بأن سلفاكير ارسل تلك الرسالة ل(75) مسؤولاً، وعرض عليهم العفو مقابل إعادة تلك الأموال ولو جزئية ، وتشير الصحيفة بأن داغني حالياً وصل الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد خوفه على سلامته في الجنوب، وفراره إلى كينيا، وابلغ سلفاكير داغني خلال رسالة بعثها إليه عقب فراره بأنه ينبغى أن يظل خارج الجنوب، لكن رغم ذلك حاول داغني العودة، ورفضت سفارة الجنوب بكينيا إعطاءه تأشيرة دخول، لكنه لايزال يحتفظ بعقد عمل مع الأممالمتحدةبالجنوب. وتذكر الصحيفة الأمريكية أيضا نقلاً عن أحد أصدقاء داغني بأنه (كان متأثراً جداً ومذهولاً من هول ما وجدهبالجنوب. وأن ذلك التأثير سيكون له صدىً في العاصمة الأمريكية واشنطون بلا شك) ، وتقول الصحيفة إن المسؤولين الأمريكيين رفضوا التعليق أو تقديم أية إدانة رسمية في الحادث، وعلى ذات النسق رفض وزير الإعلام الجنوبي برنابا ماريال بنيامين، والسكرتير الصحفي للرئيس سلفاكير، شات بول، مناقشة قضية داغني. وتكشف الصحيفة بأن المستشار الأمريكي تيد داغني كان قد وصل إلى جوبا مطلع شهر يناير من العام الجارى، ليصبح مستشار سلفاكير المباشر، لكبح جماح وباء الفساد داخل الحكومة، لأن أصدقاء الحركة الشعبية اكتشفوا بأن نهب عائدات النفط تمت من قبل مسؤولين بالحركة، مما يسهم في قتل قضية الدولة الجديدة، وتقول الصحيفة بأن داغني لعب دوراً استخبارياً للأمم المتحدة ودبلوماسيين أمريكان لمحاولتهم فهم عملية صنع القرار في دولة الجنوب ، وكان دور داغني خلال حرب هجليج عندما استولى جنوب السودان على المدينة، أن نصح داغني سلفاكير بإصدار تصريح أنه أمر جيشه بالانسحاب من هجليج . وفقاً لمسؤولين بجنوب السودان، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم ، بأن سلفاكير استشار داغني قبل وزارئه، وقال المسؤول الجنوبي بأن دولة الجنوب اجرت تحقيقاً وجدت أن المستشار الأمريكي تيد داغني مسؤول عن تسريب تلك الرسالة للصحافيين خلال واحدة من لقاءات سلفاكير مع الصحافيين. وتحدثت صحيفة (ماكلاتشي) الأمريكية مع أكثر من «10 » أشخاص من هم على دراية بوضع داغني، ويعتبرون أصدقاء، فضلا عن أنهم مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون بالأممالمتحدة وأفريقيا، لكنهم رفضوا الحديث حالياً بسبب حساسية القضية، أما منتقدو داغني فإنهم يصفونه بالساذج وأنه يضر بسمعة أبحاث الكونغرس لأنه يقوم بتحليلها دون محاباة. ويقول الكاتب الأمريكي اريك ريفز الذي عمل مع داغني عن كثب لصالح الحركة الشعبية (إن داغني كان مباشراً جداً، ومصمماً للغاية وغير ملتزم بما فيه الكفاية من قبل وزارة الخارجية أو بروتوكول الكونغرس، لا سيما على السودان. وتكشف الصحيفة في نهاية تقريرها جزءاً من حوار صحفي اجرته مع داغني في أبريل الماضي بمكتبه في جوبا، استنكر فيه بشدة الاستجابة الدولية لحرب الحدود الجارية بين السودان وجنوب السودان، والذي اعتبره لصالح السودان، وقال إنه كتب نشرات إخبارية نيابة عن حكومة الجنوب آنذاك، وكان محبطاً جراء عدم تجاوب الولاياتالمتحدة مع البلدين، التي قال إنه يحاول تغييرها إلى أن تكون موالية أكثر لدولة جنوب السودان، وخلال الحوار نفسه تحدث داغني عن الفساد بالجنوب والحروب القبلية وانعدام التنمية خارج جوبا، وقال (أنا لست جنوبياً ولكن كشخص انتظر طويلاً ليرى فوائد إستقلال الجنوب فإن الأمر محبط). وتشير الصحيفة أنها حاولت الاتصال هاتفياً ب(داغني) الأسبوع الماضي للرد على قضية (فساد الأربعة مليارات دولار) لكنه ظل يعتذر عن الرد، إلا أن صديقه الكاتب الأمريكي اريك ريفز قال إن (داغني فعل ما فعل لأنه بحكم منصبه استهدف إجتثاث الفساد وهو يرى أعداءه ولديهم الكثير من الرجال، مع الكثير من المال، مع الكثير من الأتباع، مع الكثير من البنادق). وتختتم الصحيفة التقرير بأن جزءاً من قصة الفساد ذكرتها وزيرة التنمية النرويجية السابقة في كتابها لكنه غير صحيح. الكونغرس «يتهم» الخارجية قال رئيس اللجنة الفرعية للمساعدات الخارجية بالكونغرس الأمريكي السيناتور باتريك ليهي إنه لا يعتقد أن وزارة الخارجية الأمريكية تبذل جهدًا كافيًا لمعرفة من الذي سرق الأموال بدولة الجنوب، ويضيف ليهي في تصريحات صحفية أن الفساد بات مشكلة خطيرة في جنوب السودان شأنه شأن الدول الغنية بالنفط، وأنه بموجب القانون الأمريكي فإن المسؤولين الأجانب وعائلاتهم من الذين يسرقون من الخزانة العامة لدولهم محظورون من دخول الولاياتالمتحدة وإنه يتوقع من وزارة الخارجية الأمريكية عبر سفارتها بجنوب السودان تقديم هذه المعلومات لتطبيق القانون بصرامة، ويشير السيناتور الأمريكي إلى أنه يجب على وزير المالية بدولة جنوب السودان تقديم تقرير عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتحسين إدارة الموارد وضمان الشفافية والمساءلة في الأموال إلى المراجعة العادية للحسابات المالية لحكومة جنوب السودان، وتشير تصريحات السيناتور إلى أن القضية أصبحت مسألة مفتوحة بالكونغرس الذي سيضغط على إدارة الرئيس باراك أوباما لحظر المسؤولين بجنوب السودان من دخول الولاياتالمتحدة، في المقابل رفضت وزارة الخارجية الأمريكية ممثلة في الناطق الرسمي باسم الوزيرة فولر رينر التعليق على القضية. توماس: «10» مليارات دولار سُرقت وفي مقال بعنوان: جنوب السودان: الجوع والمرض والفساد الحكومي المستفحل، كتبه الصحفي الغربي، جيم توماس ماونتن، وهو صحفي مستقل ويعمل في منطقة القرن الإفريقي، مطلع مايو الماضي، أوضح كاتب المقال أن ما لا يقل عن «10» مليارات دولار من عائدات نفط الجنوب سُرقت، ولفت إلى أن بعض المبالغ ذهبت مباشرة إلى بنوك في لندن، وفيما بعد أدلت وزارة الخزانة في جنوب السودان، رسمياً أن لديها «300» مليون دولار اختفت في وقت واحد. وقال الكاتب: القيادة في الجنوب لا يمكن أن تدّعي أنها قد أنفقت المال على قواتها العسكرية.. ليس لديهم سوى القليل من التسليح الحديث، ناهيك عن المطالبات من مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لهم. ماذا يمكن أن تفعل الولاياتالمتحدة للمساعدة؟ يقول أندرو ميلر أحد الباحثين المشاركين في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية بالنسبة لقضية الفساد بالجنوب إن الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تقدم مثلاً يُحتذى به بعد تجربتها في أفغانستان إذ أنه بعد سنوات من الجهود المركزة بين أمريكا وأفغانستان فإن الأخيرة لا تزال في المرتبة الأخيرة على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد، ويشير الباحث الأمريكي إلى أن قيادة دولة الجنوب يجب أن تكون مستعدة للتعامل مع المسؤولين الفاسدين ويجب أن تدعمها وزارة العدل الأمريكية لتدعم جهود سلفا كير من خلال فرض قوة القانون لممارسات الفساد حتى لو وصل الأمر لحظر الشركات الأمريكية من التعامل مع الجنوبيين. البنك الدولي يتحدث و«لا» ينظر رغم أن البنك الدولي أقر بحاجة إلى تسريع وتيرة التمويل لإعادة إعمار جنوب السودان، لكن يبدو أن قضية الفساد الضاربة في عمق الحكومة جعلته يستدرك بأن عليه التأكد من أن المساعدات لا تُهدر بسبب الفساد، رغم انتقاد المانحون الغربيون للمؤسسة الدولية، إلا أنها لا تزال تبطئ في إجراءاتها أكثر من اللازم لضمان توزيع الأموال المقدَّمة من الصندوق الائتماني للجهات المانحة التابع للبنك، وتقول نائبة رئيس البنك لشؤون إدارة إفريقيا أوبياغيلي ايزيكوسيلي، إن المؤسسة تعمل مع المانحين وحكومة الجنوب للإسراع في تنفيذ برامج الإعمار. وأضافت، أن البنك يقوم بمهمة على مستوى عالٍ على أرض الواقع، وتابعت: نحتاج إلى التحرك في سرعة أكبر مع ضمان الاستخدام الأمثل للأموال، ونحن نواصل البحث عن سبل لتسريع فاعلية البرنامج، ومن بينها تحويل التمويل عبر آليات أسرع. وقالت ايزيكوسيلي: مهم أن نتذكر أن الأموال هي أموال المانحين، عُهد بها إلى البنك الدولي، ونحن نتوقع أن نضمن أعلى المعايير الائتمانية لتذهب إلى الفقراء وليس إلى أصحاب النفوذ، بدوره وفي ديسمبر الماضي، حذَّر رئيس البنك الدولي السابق روبرت زوليك، دولة جنوب السودان، من الفساد الذي بات يمثل مشكلة. وقال زوليك أريد أيضًا أن أثير مشكلة محددة يواجهها جنوب السودان وهي الفساد. وندَّد زوليك بكون الفساد يأخذ شكل الإكراميات عند نقاط المراقبة أو حصول مسؤولين على رشاوى بمناسبة توقيع أي عقد لأن الفساد ينهك الأنظمة السياسية ويضعف المؤسسات ويعيق العمليات التجارية، وقال الرئيس السابق: إذا تمكنت أول حكومة في جنوب السودان من إقامة مؤسسات مراقبة ومحاكمة تجعل من الشرطة وقوات الأمن تحترم دولة القانون، فإن ذلك سيشكل أساسًا مهمًا للمستقبل، ولكن الحديث الذي لم يتبعه النظر لم يتأكد من حقيقة قضية دولة جنوب السودان والفساد الذي استشرى فيها لدرجة أصبح من الصعب اقتلاعه إلا باقتلاع الحركة الشعبية نفسها، فهل تفتح القضية الباب أمام الربيع الإفريقي؟ لا أحد يعرف لكن الأيام القادمة حبلى بالمزيد.