مقترح في غاية العبقرية أقدمه لصاحبات صوالين التجميل المنتشرات على الفضائيات السودانية. عليكنّ بخلطة سحرية ذات تأثير كيميائي مزدوج فيه خير عميم للبشرية السودانية، تخلطن كريم طارد البعوض بكريم تفتيح البشرة.. فالبعوض لا يعضنا.. وفي نفس الوقت نبيض بشرتنا. فما الفائدة من تبييض البشرة إذا كان البعوض سيفتك بها؟ ويا بشرة مبيضة.. ما عضاك بعوض. أقدم هذا الاقتراح وأنا أشاهد الجهود الحريصة التي تقوم بها صوالين التجميل لتبييض بشرتنا مع العائد المادي السريع المضمون العواقب. ولأول مرة أفطن إلى أن بشرتنا هذه التي حملناها معنا طيلة هذه الأزمان عرباً نحن ونوبة ولونها الداكن لا تسر الناظرين، ولأول مرة أخذت أفطن إلى شناتي في الفضائيات، وكما قال الشاعر شمس الدين حسن الخليفة في قصيدته «ست اللبن»: ودا كلو حالتو مع اللبن وما جايبة لجمالك خبر يا ريتني لو أقدر أنا لشناتي عاد ما أجيب خبر لقد تغيرت خارطة المنظر التلفزيوني. جميع المذيعات ومقدمات البرامج والمحاورات والفنانات انسلخن من جلودهن السمراء إلى جلود بيضاء وكما قال الله سبحانه وتعالى لسيدنا موسى عليه السلام «وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء» فقد دخلت تلك المذيعة صالون التجميل وخرجت بيضاء مع كل الأسواء الممكن توقعها. تأملوا حولكم فتيات الفضائية الإثيوبية أو الفضائية الإرترية أو الفنانات أو المضيفات والراقصات.. هل رأيتم فتاة واحدة ترتدي لوناً غير اللون الأسمر الذي وهبه الله لها؟ لماذا يضيع ثلاثة أرباع دخل الفتاة السودانية عندنا التي تعمل في مثل هذه المجالات في مستحضرات وكريمات وحقن تحت الجلد وفوق الجلد لا يدري أحد عواقبها وذلك للحصول على بشرة بيضاء فاقدة للروح والشكل؟ وإلى أين يقود كل ذلك؟ أحياناً أتابع برنامج «أفراح أفراح» الذي تقدمه قناة النيل الأبيض.. وعندما يتقدم الشاب مقدم البرنامج الأستاذ أمجد من العروس قائلاً: وعايزة تقولي شنو لعريسك في يوم زي دا؟ وقبل أن تسبل العروس رموشها المستعارة التي جاءت بها من صالون التجميل وهي تقول: - إن شاء الله أغلبو بالعيال ويغلبني بالمال.. قبل كل هذا تشاهد منظراً فريداً: تشاهد عروساً بيضاء اللون ومن حولها أم وخالة وعمة وأب وعم وخال وابن عم وابن خال.. كلهم يحملون بشرة داكنة. ولو طبقت كل نظريات علم الوراثة وعلم الجينات والهندسة الوراثية لما استطعت أن تصل إلى المعادلة الجينية التي يمكن أن تنتج عروساً بيضاء كهذه. نحن نعيش في أزمان حرجة.. والأسرة السودانية تتعرض لضغوط حياتية صعبة مع هذا الارتفاع الفلكي في الأسعار ومن المفترض أن يذهب دخل جميع أفراد الأسرة لمقابلة هذه الاحتياجات ولكن استطاعت صالونات التجميل وصالونات الثوب السوداني وصالونات التخسيس وصالونات تسمين الماشية على أساس أن معظم أولئك الفتيات يأتين ماشيات لمحطات البث.. استطاعت كل تلك الصالونات الاستحواذ على دخول الفتيات من أجل أن يظهرن بها على برنامج ما.. وهن يبدين زينتهن لغير بعولتهن «في حالة الفتيات المبتعلات أي اللائي لهن بعول». والأمر لم يتوقف على هذا فهناك جانب آخر.. لقد رأيت فنانة من فنانات هذه الأيام ويظهر أنها زودت «الباتوكس» على الوجنتين فبدت وجنتاها وقد تورمتا بدرجة أخلت بصورة الوجه المبيض مع صغر ملحوظ في أسفل الوجه. وتحضرني هنا مقابلة أُجريت مع الفنانة سهير البابلي وهي تشكو من أن الذين حقنوا لها الباتوكس تحت جلدها وكذلك للفنانة صفية العمري والفنانة لوسي قد أجرموا في حقها بأن أعطوها ملامح وجه مومياء مذعورة متورمة الخدين. أما فنانتنا الصغيرة فقد ظهرت لها ملامح فتاة صينية في الجزء الأعلى من الوجه حيث «شحطت» العينان والحاجبان إلى زاوية 45 درجة وتورمت الوجنتان كما ذكرنا معطية الفنانة وجه سلحفاة متدلية الفكين الأسفلين. ونتساءل: ولماذا كل هذا؟ إذا كانت محصلته النهائية أن يذهب جزء كبير مما تكسبه الفنانة إلى صالونات التجميل بينما تحصل الفنانة على وجه لا يستطيع أن يعبر؟ ويا فتيات السودان.. صحفيات ومذيعات ومقدمات برامج وفنانات .. أنتن الوجه الإعلامي لبلادنا.. أرجو أن تكنّ على دراية ودربة بما تفعلن.. وسنعود مرة أخرى. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تُهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سنّ الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد..