يزخر المجتمع السوداني بقيم عديدة جميلة واصيلة ولا تزال من ابرزها التكافل والتعاون بين الأسر الممتدة، والكرم والبذل والعطاء والمروءة والشهامة والغيرة على الأعراض وإيواء الضيف والغريب والوقوف مع بعضهم البعض في السراء والضراء ومازالت الأرياف السودانية تنعم بهذه القيم حتى الآن وما يزال شهر رمضان يحتفظ بخصوصيته في السودان ولاسيما عادة الإفطار الجماعي خارج المنازل، حيث يخرج عدد من الأشخاص كلٌّ يحمل مائدته إلى مساحة خالية وسط الحي أو إلى الطرق أو المساجد بغرض دعوة عابري السبيل والمساكين والفقراء وهى من العادات الاصيلة والتقاليد الراسخة التى تجسد قيم المحبة والتواصل الاجتماعي وتنم عن التجانس بين افراد هذا المجتمع. قبل عقدين من الزمن حدث تحول إيجابي كبير في عادات المجتمع السوداني وتقاليده المرتبطة بالأفراح التى كانت تكلف كثيرًا وتستمر طويلاً ويصاحبها كثير من الطقوس المخالفة للدين وأصبحت مناسبة الزواج لا تكلف أكثر من ساعات يتم العقد ويتناول الضيوف وجبة الغداء ثم ينفض الاحتفال ويمضي كل إنسان إلى حال سبيله وتنتهي الحفلات المصاحبة للافراح عند الحادية عشرة ليلاً . كذلك انحصرت ايام العزاء الى يوم واحد لدى اغلب الأسر السودانية بعدما كانت ايام العزاء تمتد الى اسبوع واكثر تكلف كثيرًا وتعطل الإنتاج وتقلصت هذه المدة فصارت ساعات فقط لدى البعض «ينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن». من المظاهر الايجابية الأخرى التى ظهرت انتشار الحجاب الإسلامي ثم النقاب في فترة لاحقة وقد ترك اثرًا واضحًا على المظهر العام فى دواوين الحكومة وفى الشارع العام الذى تحسن كثيرًا من ذي قبل ولو رجع الإنسان إلى الصور القديمة في السبعينيات وما قبلها سيدرك حجم التحول الذي حدث رغم السفور والاختلاط خاصة بعد التوقيع على اتفاقية السلام. ايضا من المظاهر الايجابية التى انتشرت التعليمَ المفتوحَ وهوفي مُجْمَلهِ مَزيجٌ يَجْمَعُ بينَ وَسَائطِ و أسَاليبِ التَعْليمِ و التَعَلُّمِ بشَكْلٍ مُتَكَاملٍ ولقد لعبَ دوراً فعَّالاً في تنميةِ و ترقيةِ الأداءِ في مُخْتَلَفِ الأنشطةِ والمفاهيمِ الاجتماعيةِ بصورةٍ مباشرةٍ وغيرِ مباشرةْ. و يتمثلُ ذلك الأثرُ في النواحي الاجتماعيةِ والثقافيةِ والوطنيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ والصحيةِ وسلوكِ الفردِ والجماعةِ. نعم لا يمكننا أن نقول إن مجتمعنا السوداني القديم كان معافىً ولكن كان الجهل غالباً عليه حيث كانت هناك ممارسات خاطئة كثيرة تُرتكب عن جهل أو هي عادات ظل يمارسها المجتمع دون أن يقف عندها ويعيّرها بمعيار الدين ومن تلك الممارسات السيئة مثل تشليخ المرأة والرجل والخفاض الفرعوني وليس السنة وبيوت الرذيلة والخمور البلدية واللبس القصير ورقص العروس على الملأ الخ والحمد لله اختفت معظم هذه العادات الضارة إلا أن المجتمع استورد عادات أكثر خطورة في العصر الحديث مع انتشار العلم والمعرفة الشرعية والدنيوية كالاستلاب الفكري والتقليد الأعمى للمجتمعات الغربية في الشكل والمضمون فتفشت ظواهر لم تكن موجودة أصلاً في مجتمعنا كالزواج العرفي وأنواع المخدرات الأكثر فتكا ًوتشغيل الاجانب «خدم منازل» شهادة اولى يقول الشيخ سالم سعودي الجنسية: «في أول مرة أزور السودان نزلت مرهقًا في أحد الفنادق فنمت حتى الحادية عشرة ليلاً فاستيقظت جائعًا فنزلت فوجدت أحد محلات المرطبات مفتوحًا فأعطيته 1000 دينار فأعطاني 10 علب بيبسي فاستغربت فقال لي إن هذه العملة تساوي عشرة آلاف جنيه فتعجبت من أمانته وقلت في نفسي «لو كان هذا البائع بهذا المستوى من الأخلاق فكيف يكون شباب المساجد وطلبة العلم وأهل الخير الصلاح» لقد فرض عليّ هذا البائع البسيط بأمانته احترام السودانيين، ومنذ ذلك الوقت وأنا لا أتهم السودانيين في أمانتهم إطلاقًا». شهادة اخرى على لسان محمد وهوطالب إثيوبي بالسودان قال «كنت في السعودية ووددت انتظار الحج بعد العمرة، ولكنني قررت العودة إلى السودان، وبعد أن صعدت الباخرة نادوا عليّ وقالوا لي إن إقامتك في السودان قد انتهت وعليك أن تنزل من الباخرة حالاً واصطحبني أحد رجال الأمن لإخراجي.. عند مدخل الباخرة مسكت في أحد الأعمدة وأخذت أبكي فجاء بعض السودانيين وسألوني ما يبكيك فقال الرجل: لقد انتهت إقامته في السودان ولن نسمح له بالسفر معنا فقال السودانيون: وهل يحتاج مثل هذا الطالب المسلم إلى إقامة في بلد كبير كالسودان دعه يسافر على مسؤوليتنا، فرجعت معهم إلى المسؤول الكبير وما زالوا معي حتى سمحوا لي بالسفر ورجعت إلى السودان وواصلت دراستي. » الحقيقة الأخيرة لا يزال المجتمع السودانى بخير رغم الضغوط الاقتصادية ورغم الانتشار والبث الفضائي الذي استلب بعض شبابنا مواكبة لما يحدث فى العالم .. لننظر فقط ايام رمضان التى انقضت ونراجع مشهد الذين يؤدون صلاة التراويح فى كل المساجد والجوامع والزوايا والخلاوى ولنراجع المشهد الأسبوعي لصلاة الجمعة.