رشح في الإعلام أن رئيس الجمهورية عمر البشير قد ناقش يوم أمس الأول رسالة ماجستير تحت عنوان :«تحديات تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية»، وكان ذلك أمام لجنة أكاديمية ترأسها البروفيسور محمد عبد الله النقرابي، وإذا كان رئيس الجمهورية قد نال قبل أن يتقلّد الحكم وأثناء خدمته العسكرية درجة الماجستير في العلوم العسكرية، فهو الآن وبعد أكثر من عقدين على سدة الحكم الذي أطّره بقوانين الشريعة الإسلامية يختار أن تكون رسالة الماجستير الثانية في موضوع التحديات التي واجهت حكمه بسبب تطبيق الشريعة الإسلامية التي كانت هي الدافع الأول والسبب الأساسي وراء استلامه للسلطة بإسناد من قادة الحركة الإسلامية وتأييد من قواعدها التي توسعت في ذلك الوقت بدليل كسبها لأكثر من خمسين مقعداً برلمانياً في انتخابات ما تعرف بالديمقراطية الثالثة. ويجدر ذكره هنا أن تحديات تطبيق الشريعة الإسلامية التي أشار إليها صاحب رسالة الماجستير في عنوانها يمكن أن تكون قد جاءت بصورة أخف بفضل تجربة تطبيقها في العهد الأسبق الذي يعرف بعهد «مايو» وكان ذلك في سبتمبر من العام 1983م حيث كان قد صادق الرئيس الأسبق جعفر نميري على تطبيق الشريعة الإسلامية بعد خمسة وثمانين عاماً من تعطيلها بسبب الغزو والاحتلال البريطاني للبلاد بقيادة كتشنر، وهذا يعني أن تحديات التطبيق في تجربة عهد مايو تكون بالطبع هي الأكبر منها في عهد الرئيس البشير كما هو مفهوم. وتحديات تطبيق الشريعة الإسلامية التي واجهت حكومة البشير جاءت كما يبدو من طريقين: طريق بعض الثقافات المحلية التي تتصادم مع روح الشريعة الإسلامية، والطريق الثاني هو استخدامها بيد بعض القوى المعارضة ككرت ضغط على الحكومة، وكان الغريب أن رفع هذا الكرت بعض الأحزاب ذات الإرث الإسلامي الذي يقوم على الشريعة الإسلامية ما يعني جعل هذا الكرت هو أحد التحديات التي يمكن أن نقرأها في هذا السياق. ويختلف بالطبع تطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمع كالسودان عن تطبيق غيرها من الأفكار الوافدة من مجتمعات غير إسلامية مثل النظرية الشيوعية التي فشل تطبيقها في السودان على المستويين الانتخابي والشمولي بحسبان أنها تتنافى مع دين أغلبية أفراد المجتمع الذي هو الإسلام، وهذا ما لا يجد سبيله إلى تطبيق الشريعة الإسلامية النابعة من دين الأغلبية المسلمة في المجتمع السوداني، فمهما كانت تحديات تطبيقها في بلد كالسودان فهي لا تعدو أن تكون آثاراً جانبية لعملية استئناف الحياة الإسلامية على المستوى الرسمي. وبعد انفصال الجنوب عن الدولة السودانية بطوعه وخياره، فلا بد أن هذا الحدث السياسي الكبير في تاريخ الدولة الأم قد قلّص حجم هذه التحديات المواجهة تطبيق الشريعة الإسلامية بنسبة كبيرة إذ أن أغلب سكان الإقليم المنفصل من غير المسلمين، وإن كان تطبيق الشريعة في «الشمال» قبل الانفصال عام 1983م و1990م لم يكن من بين الأسباب التي دفعت حركات التمرد الجنوبية منذ العام 1955م إلى 1985م للتمرد على حكومات الخرطوم الوطنية بعد الاستقلال - وتنحصر الآن تحديات تطبيق الشريعة الإسلامية في ناحية قوى سياسية قليلة وضعيفة كما يبدو من فاعليتها في الساحة الجماهيرية، ويبدو أن الوقت الآن يمضي لصالح انحسار هذه التحديات بفضل النشاط الدعوي بمختلف الجماعات الإسلامية الدعوية.