كثيراً ما تحدثت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة عن مجموعة جرائم قتل تعرضت لها الأسر فيما بينها من أب وأم وأخ وأخت «المحارم»، فمثل هذه الجرائم تقع بانتظام وفي أزمنة متقاربة، وتغطي البلاد كلها وليست موجودة في منطقة واحدة أو مناطق قليلة، وبالرغم من فظاعة هذه الجرائم وبشاعتها فهي إلى الآن تبقى ظواهر يستنكرها العقل، بجانب فتح العديد من البلاغات الجنائية في مواجهة مرتكبي هذه الجريمة وإحالتها للقضاء حتى تتم المحاكمة فيها بعقوبات رادعة تكون عبرة وعظة لغيرهم للمنع والحد من وقوع هذه الجريمة، وتعمل الجهات المسؤولة والمختصة على إعادة النظر في الأسباب التي تقود لارتكاب الجريمة، والحد من السلبيات في سلوك أفراد المجتمع بصورة عامة وداخل الأسرة بصوره خاصة، حتى يعم الاستقرار بين الأسر بعيداً عن كل الأخطار التي تهدد أمن الأبناء وخلق أمراض نفسية وعصبية تدمر مستقبل الأجيال. نماذج لقتل المحارم: تعرض المجتمع السوداني خلال هذه الفترة إلى العديد من جرائم قتل المحارم، ومن نماذجه أن يقتل الزوج زوجته، وآخر حرق الزوجة زوجها عند اكتشافها الغدر والخيانة منه، وسبق أن حدثت أفظع جريمة نفذها شابان راح ضحيتها خالهما، وذلك إثر قيامهما بضربه بالعصي وسددا له طعنات قاتلة بسكين بعد أن سقط مغشياً عليه جراء تلقيه ضربات بعكاز، وتمكن المتهمون من ضرب شاهد الاتهام بالعصي مسببين له الأذى الجسيم. وتعود تفاصيل الواقعة إلى أن المجني عليه كان قبل عدة سنوات قد تولى تربية أبناء شقيقته الثلاثة «المتهمان الاثنان وشقيقتهما»، وقبل أيام تقدم لخطبة الفتاة ابن عمها، ووافق الخال على الفور، وتم الإعداد لمراسم الزفاف، وأعد المجني عليه كافة مستلزمات الزواج، إلا أنه اشترط عدم إقامة حفل زواج بمنزله بحجة أن زوجته قد توفيت منذ أيام ومازال يتلقى العزاء فيها، وحسب العرف الذي جرت عليه العادة السودانية فإن منازل العزاء لا يقام فيها الحفل حتى يمر حين من الوقت وينقطع المعزون، وتمت الموافقة على طلب الخال المجني عليه، وفي يوم الزواج مساءً أقام العريس حفل زفاف حضره المتهمان الاثنان شقيقا العروس، الأمر الذي أشعل نار الغيرة بدواخلهما، وعقب انفضاض الحفل توجها إلى منزل المجني عليه خالهما، وكان وقتها نائماً فقاما بإيقاظه من نومه ودار نقاش بينهما حول أسباب منعه لهما إقامة حفل لشقيقتهما، وقالا له إنه منعهما من إقامة الحفل مع أن العريس أقام حفلاً، وأكد لهما المجني عليه أنه لا يهمه العريس ولكن يهمه ألا يقام حفل بمنزله لأن زوجته توفيت حديثاً، مما أثار حفيظة الجانيين اللذين قاما بضرب خالهما بالعصي حتى سقط قتيلاً. قوانين مشددة لجرائم القتل: أكد المحامي أحمد محمد بشير ل «الإنتباهة» أن أحكام القانون الجنائي تسري على كل شخص يرتكب جريمة القتل، ويتعرض إلى أشد العقوبات الرادعة التي تصل إلى الإعدام في حالة إثبات التهمة وتقديمها للقضاء تحت المادة «131» من القانون الجنائي، سواء أكان القتل قتل عمداً عاماً أو قتلاً للمحارم، فيتجه القانون إلى فصل القضاء في القضية التي أمامه وهي جريمة القتل، ويسعى قانون السودان إلى الحد من جرائم القتل بين المحارم بوضع قوانين مشددة حتى يكون هناك حذر من الجاني أو الشخص الذي يشرع في ارتكاب الجريمة. وتقول الباحثة في علم النفس والاجتماع رشا عبد الرحمن في حديثها ل «الإنتباهة» إن الأشخاص الذين يقترفون مثل هذه الجريمة هم أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية واضطرابات في السلوك تجعلهم لا يقدرون خطورة أعمالهم، وعندما نلاحظ ما وقع نرى أنه لا يرقى إلى مستوى ظاهرة، ولكن الأمر يتعلق بأحداث أشخاص معدودين، أي عبارة عن أحداث مجتمع تقع بين الحين والآخر، وهذا لا يعني أن السودان هو الدولة الوحيدة المهددة بظاهرة قتل المحارم أو تعذيبهم، وإنما أصبحت ظاهرة عالمية يتوجب علينا محاربتها. أسباب انتشار جرائم قتل المحارم: وتضيف الباحثة أن الأسباب الكامنة وراء انتشار جرائم قتل المحارم تنقسم إلى نوعين، فهناك أسباب عامة تشترك فيها كل المجتمعات، وأسباب خاصة بكل مجتمع. فمثلاً في المجتمعات الفقيرة يكون الدافع وراء عدد كبير من الجرائم هو الفقر والضغوط النفسية التي تفقد السيطرة على العقل، وهناك كذلك التربية والخروج المبكر من المدرسة، إلى غير ذلك من الأسباب التي تسهم في تكوين أشخاص جانحين يشكلون خطورة على المجتمع، ولكن هذا يعني أن الجريمة بالفعل هي من الأخطار التي تهدد الأفراد والجماعات، وأنه يجب التعبئة واليقظة والحذر لمحاربة الجريمة، سواء أكانت ضد راشدين أو أطفال، فالجريمة تبقى دائماً جريمة، لكن بالنسبة للرأي العام تكون جريمة قتل الحارم أكثر وقعاً عليه، لأن ضحيتها أسر، أو تكون رب المنزل أو أطفال أبرياء ليست لديهم قوة للمقاومة والدفاع عن النفس، مما يجعلها أكثر تأثيراً على الرأي العام، وأكثر إثارة لمشاعر الاستنكار والغضب. وأشارت الباحثة إلى أن ما يُطرح حول الجريمة ليس القضاء عليها بصفة نهائية، وإنما الحد من خطورتها وضبطها ومعاقبة مرتكبيها بشكل عقلاني يجعل هذا العقاب يحد من السلوك الإجرامي، أما طموح اختفاء الجريمة فهو طموح تسعى إليه كل المجتمعات، لكنه أمر يبقى بعيد المنال، وأضافت أن المفروض في المجتمع تشديد العقوبة المتعلقة بها ضد الجناة، أي على الأقل تجنيب الأطفال والعجزة وذوي الحاجات الخاصة أن يكونوا ضحايا لهذه الجرائم، كما أن الأسرة تبقى المدرسة الأولى لتحصين الأفراد ضد كل سلوك جانح والارتماء في أحضان الجريمة، بالإضافة إلى أن المدرسة تكمل عمل الأسرة، إذ تقوم بالتنشئة الاجتماعية، وتعطي قيماً إيجابية لأبنائهم حتى يكونوا مواطنين مندمجين بشكل إيجابي داخل المجتمع، ويعملوا على بنائه وتقدمه، وليس العمل على تحطيمه والإخلال بضوابطه والمساس بحريات وأملاك الآخرين.