باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    العربي يكسب الاتفاق في دورة الفقيد معاوية الجميعابي بالإنقاذ    قوات الدعم السريع تطلق سراح اثنين من أبناء شقيقة البشير اعتقلتهم من قرية صراصر    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة داخل البراري
نشر في الانتباهة يوم 14 - 09 - 2012

منطقة البراري بالخرطوم تشمل بري اللاماب التي تحد من جهة الجنوب بالمنشية ومقابر بري اللاماب ومن جهة الشمال الشرقي النيل الأزرق ومن الغرب بري «أبو حشيش» التي يفصلها عن اللاماب شارع الستين وتكاد تكون بري أبو حشيش ملتحمة مع بري الدرايسة وتقع جنوب حي كوريا ويفصل الدرايسة عن المحس شارع المدارس ونادي بري المحس التي يفصلها غرباً شارع عبد الله الطيب عن مساكن ومنشآت الشرطة ومن الشمال يفصلها شارع المعرض عن قاردن سيتي ومستشفى الشرطة وملحقاته، كانت منطقة بري «أبوحشيش» توجد في منطقة المعرض الحالي وكانت غير مخططة وتعلوها الكثبان الرملية ثم انتقلت إلى موقعها الحالي في أواخر الستينيات وسميت بهذا الاسم نسبة للشيخ أبو حشيش الذي يعتبر جداً لمعظم سكانها. أما منطقة بري الدرايسة فمعظم سكانها من الجموعية والمحس وسميِّت نسبة لشيخ الحي المرحوم الطيب شيخ إدريس.
بري اللاماب
بمنطقة بري اللاماب ومن داخل منزل العمدة حسين التقينا بعميد الأسرة الشيخ عنكيب وتجاذبنا معه أطراف الحديث حول منطقة بري اللاماب حيث أفادنا بأن:
بري اللاماب عندما هاجر «حامد قرجاج» من «قراجيج الجموعية» إلى منطقة بري الحالية ومن أولاده إبراهيم ود المقدّم الكبير، لتكون سلالة العمدة حسين الذي ينحدر من عائلة «محمد اللام» الذي سميّت بري باسمه وأصبح عمدة لمنطقة بري في العام 1898 واللاماب بحر أبيض ومن ثم رئيساً للمحكمة الريفية الخرطوم ليكون في آخر أعوامه ناظر عموم للخرطوم وبعض أريافها من جبل أولياء وجزء من الريف الشمالي لبحري كما كانت تستعين به الحكومة في عدة مصالحات قبلية.
أسست أول مدرسة أهلية بالمنطقة مدرسة المستر بدري وكان ناظرها آنذاك الأستاذ بلال أحمد فرح، كما كانت توجد بها عدد من الخلاوى مثل خلوة الفكي عبد الرحمن ومن الشيوخ الذين كانوا بالمنطقة الفكي البشير الذي كان يكتب المصحف بخط يده، وخلوة الشيخ عابدين علي موسى، كما توجد بها حالياً خلوة «عمر بن الخطاب» خلوة الطريقة القادرية العركية حيث يدرس بها أكثر من مئة طالب لمؤسسها محمد السماني أحمد العمدة.
ومن الشخصيات البارزة في بري اللاماب: محمد أحمد العمدة معتمد بحري الحالي والعمدة بخيت رئيس مجلس مدينة البراري وحاج سليمان حاج الحسين الذي كان له الفضل في بناء وتأسيس المدرسة الأولية.
من ناحية ثقافية يوجد بالمنطقة النادي الثقافي الرياضي الذي تأسس في العام 1945م ونادي وادي النيل وهو من أندية الدرجة الثالثة.
الشريف الهندي
كما يوجد بالمنطقة مسجد بري العتيق في آخر محطة ببري وأسسه الشيخ عبد الرحمن الأمين.
ومن المعالم البارزة هناك قبة وسرايا الشيخ الشريف يوسف بن محمد الأمين الهندي، فعندما اتهمته الحكومة الإنجليزية آنذاك بالإعداد لحركة جهادية أخرى كالمهدية حكمت عليه بالسجن لمدة 6 أشهر وعندما أطلق سراحه حددت له إقامته ووضع تحت المراقبة وترك له حرية محل لسكنه الدائم قرب الخرطوم فوقع اختياره على ضاحية بري اللاماب واستقر هناك حتى وفاته في العام 1942م.
دق النحاس
مازال أهل اللاماب يستخدمون النحاس ولكل حدث نغمة معروفة للجميع فنغمة الإعلان عن الأفراح تختلف عن نغمه الإعلان حال حدوث وفاة. كما يستخدم النحاس في زيارات الشيوخ والحوليات وزفة المولد.
بري المحس
منذ إنشائها في العام 1908م غالبية سكانها من قبيلة المحس لذا جاء هذا الاسم، لم تكن بموقعها الحالي لكنها بدأت في التكوين بالمنطقة التي يوجد بها منتزة الإسكلا السياحي بشارع النيل الآن.
جلسنا إلى العم عمر عبد الوهاب محمد رئيس اللجنة الشعبية بالحي ويعتبر مرجعاً وشيخاً للحي والأستاذ كمال صديق عبد اللطيف النجل الأكبر للأستاذ صديق عبد اللطيف معلم الأجيال لمدة ستة عقود.. تجاذبنا معهم أطراف الحديث وخرجنا منهم بالمعلومات الآتية:
يربط بين كل المحس الموجودين الشيخ إبراهيم البداني المكنى بلقب«ود توتي»، ومن العائلات العريقة التي تقطن المنطقة آل الحاج بابكر،وآل حاج الأمين،وآل الضوء، وجل الهاشماب يوجدون الآن في بري، ومن المشاهير من أبناء بري الشيخ يوسف أحمد هاشم والد الأستاذ أحمد يوسف هاشم «أبو الصحف» «جريدة النيل، والسودان، والحضارة» وأبو القاسم هاشم عضو قيادة الثورة في عهد نميري وأبو القاسم محمد إبراهيم نائب الرئيس نميري وقد تولى مناصب حكومية عديدة وأبو القاسم أحمد هاشم جد أبو القاسم هاشم، وهو من مؤسسي المعهد العلمي بأم درمان وصاحب الفكرة، والشيخ محجوب عثمان إسحق قاضي القضاة ومفتي الديار والأستاذ مبارك سري عمر الذي قام بإنشاء دار الوثائق والأستاذ عبد القادر حسن الضو سليمان وهو أول عميد لمعهد المعلمين العالي بعد اليونسكو. والشيخ حسين حسن محمد أول رئيس لنادي بري الرياضي والد الدكتورة منى حسين أول امرأة سودانية تتخصص في طب العيون والاستاذ كمال محمد إبراهيم أول سينارست ومخرج سوداني بقسم الإنتاج السينمائي ووحدة أفلام السودان.
وتوجد ببري المحس أعرق مدرسة بالسودان حيث تأسست في العام 1911م وهي أول مدرسة نظامية حكومية بالسودان وقد احتفل بميلادها المئوي في العام المنصرم، ومن أشهر الذين تخرجوا فيها الأستاذ أحمد حسن الضو وكان يعمل كبير الياوران أي وزير شؤون الرئاسة «بالقصر الجمهوري»، والشيخ محجوب عثمان إسحق والدكتور سليمان مضوي وعثمان مضوي والدكتور شيخ إدريس عبد الرحيم حاج الأمين والأستاذ أبو القاسم هاشم والباش كاتب محمد إبراهيم وهو من الذين سودنو السودان والأستاذ أبو زيد موسى أبوزيد من أشهر رجال التعليم ومن مؤسسي تعليم الكبار.
كما كانت توجد ببري المحس فرقة الكشافة وقد قاموا بزيارات خارجية عديدة. وأعرق فريق بالسودان تأسس منذ عهد الأنجليز في العام 1918م وهو من أقوى فرق السودان حيث كان يلعب ضد الفرق الإنجليزية وكان أول رئيس للنادي الشيخ حسين حسن محمد، كما يوجد بها نادً ثقافي اجتماعي عريق 1935م.
ومن مناضلي وقادة الحركة الوطنية أنجبت بري الشهيد عبيد حاج الأمين أحد قادة ثورة اللواء الأبيض والشهيد لواء طيار مختار محمدين أحمد سليمان وكان أحد قادة الطيران الحربي السوداني .
وكان من المفترض أن نلتقي بالفنان الكبير إبراهيم اللحو وهو من مواطني بري القدامى ولكن نسبة لسفره خارج العاصمة لم نتمكن من ذلك.
«أم هاني».. (معلِّمة) في ورشة حدادة
أم درمان: محمد أحمد الكباشي
من الطبيعي أن يكون وسط الرجال حداد ماهر يجيد فنون الصنعة ويشتهر بذلك وسط عامة الناس، أما أن تكون هناك «معلمة حدادة» تتقن فنون الحدادة بكل مراحلها بدءًا من التوضيب فاللحام انتهاء بطلاء البوهية فهذا ما يمثل غاية في الغرابة والدهشة خاصة في المجتمع السوداني حينما كان عمل المرأة ايًا كان خارج المنزل يعد خروجًا عن القيم والتقاليد، بيد ان سوق حلايب القابع بمحلية كرري بأم درمان يؤكد وجود الظاهرة التي أشرنا إليها.. فأم هاني تلك المرأة الحديدية حجزت لنفسها موقعًا وسط سوق عُرف نشاطه بالحرفيين من الرجال فقط إلا أن الظروف القاهرة هي التي رسمت مشهد قصة «أم هاني» وما كانت تدري أن قدرها سيرمي بها يومًا ما في «ورشة حدادة»، لكن أحيانًا تختار «المهن» من تريد، لذا أتتها الحدادة طائعة تجرجر لحامها وحديدها وطلاءها حتى تكللت جهودها وأفضت بها إلى قصة نجاح عبرت بها وبأبنائها الذين رضعوا من ثديها ثم ورشتها التي اختارت لها «ورشة المحبة» تصنع الأسرَّة والأبواب والشبابيك وغيرها، فكان الطريق ممهدًا لصناعة أجيال هم ثمرة أحشائها:
أولاً نتعرف عليك
أنا «أم هاني خوجلي بشير» من مواليد كرري العجيجة، تزوجت صغيرة كعادة ناس زمان، وأنجبت «5» من البنين والبنات أصغرهم كان عمره «9» أشهر الآن خريج من الجامعة، وفي خضم معركتنا مع الحياة وتربية الأولاد قرر زوجي الهجرة إلى العراق ولم يعد حتى سمعنا خبر وفاته في أواخر 1988م
كيف كانت بدايتك مع الحديد؟
قررت العمل وكنت أشتري بعض الأشياء «المكسرة» من الحديد مثل السراير والكراسي وأذهب إلى «الحدادين» لإصلاحها ومعالجتها ثم أبيعها وقد نجحت في ذلك، وخطرت لي فكرة أن أقوم بفتح «ورشة»، وبعد مشاورات مع الأهل توكلت على الله، وبدأت في العمل داخل منزلي بالحارة «21» الثورة وأحضرت متخصصًا ليعمل معي في هذا المجال خاصة التوضيب واللحام بينما كنت أقوم بعمليات طلاء السراير والكراسي، إضافة لإدارتي للورشة كنت أراقب العمال وأتعلم في صمت، حتى صرتُ حدّادة محترفة فعلّمت أبنائي وكثيرين دخلوا مجال الحدادة.
ألم يكن هناك اعتراض من الأهل على ولوجك هذا المجال؟
لا.. بالعكس، فمنذ أن توفي زوجي وقبل ذلك آليت على نفسي أن أجدّ وأجتهد لتربية أبنائي وتعليمهم دون الاستسلام للظروف وعدم الالتفات إلى الكفاف والهبات من أي جهة كانت ولأجل ذلك قمت ببيع ثلاجة البيت بمبلغ «200» جنيه فقط في بداية العام «1990م» وكان هذا بمثابة رأس المال وقد وجدت تشجيعًا من الأهل والعشيرة حتى وصلت لافتتاح هذه الورشة
وماذا عن أبنائك؟
بحمد الله استطعت من خلال عملي هذا أن أقوم بتعليم أبنائى بعدد من الجامعات وزوّجت البنتين بعد تخرجهما، أما ولدي الكبير «أحمد» فقرر بعد إكماله الثانوية الالتحاق بالورشة لمساعدتي وهو الآن عضدي وساعدي الأيمن هذا فضلاً عن أن الورشة خرَّجت شبابًا كثرًا أولادًا استوعبتهم من الشارع وبذلك أسهمت في الحيلولة بينهم وبين المشردين، وتركوا الدراسة بعد ما أجبرتهم ظروفهم وشغّلتهم معي وصاروا من كبار المعلمين في مجال الحدادة وبعضهم فتح ورشة.
ماذا تقولين لمن تمر بها نفس هذه الظروف؟
يا ولدي الفي إيدو صنعة ما بتغلبو المعيشة، وعلى النساء تجاوز حالات الحياء والخوف من الفشل، فالعمل ليس عيباً ولا توجد مهن رجاليّة ومهن نسائيّة، لكنّ المهم الجودة والحرص على إتقان المهنة مهما كانت صعوبتها.
هل هناك أي جهة قامت بتكريمك وأنت تقومين بهذا الدور؟
لا.. ليس هناك أي جهة قامت بتكريمي، وكنت أتمنى أن أكون ضمن من رشحتهم شركة زين في مسابقة الأم المثالية، بل إن عددًا من الشخصيات والمسؤولين يرتادون ورشتي لأجل شراء بعض المنتجات إلا أنني أشيد بتعاون أفراد محلية كرري وتساهلهم معي فيما يختص بأمر النفايات والعوائد..
مواقف طريفة مرت بك وأنت تمارسين هذا النشاط؟
كثيرة هي المواقف، لكن المتكرر منها دايمًا حينما يأتي زبون أقف إلى جوار المعروض وأقول لهم «أيوا اتفضل داير سراير وللا كراسي»؟ فيجيبني معليش يا أخت أنا داير صاحب المعرض ويندهش حينما أخبره بأنني صاحبة الموقع ويقول أول مرة أشوف لي مرا حدادية، أما النساء فكثيرًا ما يداعبنني بي يا أوسطة
فخورون بالوالدة
وداخل الورشة ظل «أحمد إدريس» الابن الأكبر لأم هاني ممسكًا بماكينة اللحام منهمكًا في العمل لا يأبه للحوار مع والدته وكأنه ينفذ في تعليمات صادرة عن معلم لا تربطه به قرابة ناهيك أن تكون والدته، فيقول: «نحن فخورون بوالدتنا وبنجاحها في عملها ونعتز عندما ينادوننا أولاد أم أحمد الحدادية» وحين كنت طالبًا تعلمت العمل في الورشة بعد انتهاء اليوم الدراسي وكان أهل «زملائي الطلبة» يقفون إلى جانبنا ويقومون بأعمال الصيانة التي يحتاجون إليها في ورشة أمي.
اقدم سيارة في الخرطوم ... عمرها (50) عاماً
التقته: رباب علي
للوهلة الأولى عندما تنظر لها تكتنفك دهشة عارمة وتساؤل يقفز سريعاً: أين رأيت هذه السيارة؟ وتأتيك الإجابة بذات السرعة: في متحف القصر الجمهوري... هكذا كان حالي وأنا أشاهدها تمر أمامي.. سيارة أثرية يعتقد البعض أنها تستحق أن توضع في متحف عام أسوة بنظيراتها.. إنها سيارة «وارسو» التي أنتجتها الشركة البولندية الأصل «FSO» عام 1951م والتي أنتجتها بتصريح من شركة (GAZ) الروسية لتصنيع السيارات حيث كانت تعديلاً لموديل (GAZ-M20) بولندا عام 1957م ، تم إرسال سيارتين منها لمصلحة الغابات مطلع الستينيات وهما موديل 1962م... عند الرجوع لأصل الشركة تبين لنا أن الشركة قامت بإنتاج بعض موديلات السيارات المعدلة بمشاركة بعض شركات السيارات العالمية ولكنها الآن توقفت عن إنتاج أي سيارة من هذا الموديل..
عرِّفنا بنفسك؟
عادل مصطفى أبو بكر من مواليد مدينة ود مدني، وتلقيت بها كل المراحل حتى الثانوي، وبعد ذلك تم قبولي بجامعة بغداد بالعراق في كلية الفنون الجميلة في الفترة من عام 1977م إلى 1981م، والدي كان مهندسًا ميكانيكيًا بالري بود مدني تحت ما يسمى بورشة 114 وهو كانت له تجربة مشابهة حينما قام بشراء سيارة إسكودا موديل الخمسينيات وعدل فيها أيضًا، وكانت تجربة كبيرة لإطلاعي على المعضلات الميكانيكية مما اعطاني حافزًا لتأخذ تجربتي هذا المدى لأن كثيرًا من السيارات القديمة لم يستطع أحد أن يفعل بها شيئًا أو يعدلها لعدم توفر قطع الغيار لها...
كيف بدأ الأمر إذن؟
نحن كتشكيليين يلفتنا الشيء الجميل والغريب بذات الوقت، وهذه السيارة يوجد طراز أقدم منها ولكنها غير لافتة وهي الآن الوحيدة في السودان بعد أن فُقدت أختها وهما معًا جاءتا هدية إلى السودان من جمهورية بولندا لمصلحة الغابات في الستينيات وكان معهما منشار لقطع الأشجار وكانت هذه السيارة يقودها أبو أحمد سليمان المحامي مدير الغابات آنذاك وبعد أن تعطلت حاولوا معالجتها ولم يستطيعوا لفقدان ماكينتها وبعض الإسبيرات والتي أصبحت مشكلة تواجه إعادتها لصورتها الطبيعية..
هل كانت لك مرجعية علمية لكيفية صناعتها؟
كما قلت لك إنها بولندية الأصل واسمها وارسو تيمنًا بالعاصمة البولندية، وبعد بحث مضنٍ تمكنت من معرفة اسم الشركة وتاريخ صناعة السيارة والذي كان خلال العام 1962م وعندما عرضتها إدارة الغابات في دلالة كبيرة مع العديد من السيارات وفقًا لاعتقادهم أن السيارة عندما تصبح قديمة ستكون الشركة المنتجة قد أقفلت أبوابها ولن تكون لها إسبيرات.. وبعد شرائي لها قررت أن أعيدها سيرتها الأولى وبالفعل بدأت في ذلك بعد العديد من المشاورات مع العديد من الإخوة المهندسين وبعد إجراء القياسات المطلوبة تمكنّا من تحديد نوع الماكينة التي ستناسبها وتطابقت مع ماكينة بوكس (3Y) ودون أي تعديل كان عمود المكنة «الجربوكس» نفس المقاس، وبعد ذلك فكرت في كيفية أن تظهر بشكل لائق من ناحية اللون ونوع الفرش ولم أحاول التغيير في شكلها فهي تتكون من كنبتين في الأمام والخلف وقد أخذت فترة طويلة في إيجاد ما يناسبها بعد رؤية بعض السيارات القديمة والألوان التي طُليت بها..
كيف قمت بجمع الإسبيرات المفقودة؟
كل الإسبيرات قمت بجمعها عن طريق التوليف من الموديلات القديمة والمشابهة بعد بحث شديد ومضنٍ في كل الورش الصناعية..
ألم تجد مهتمًا بجلب إسبيرات السيارات القديمة؟
بل الصدف هي وحدها والنادرة أيضاً هي التي جعلتني أجد ما أبحث عنه، وقد أحزنني ذلك فقد سافرت لعدد من الدول ووجدت اهتمامًا واضحاً بكل ما يتعلق بالسيارات القديمة حتى إن بعض الشركات المنتجة لها لم تُقفل أبواب صناعة إسبيراتها..
هل لديك فكرة عن أشخاص يبحثون عن سيارات قديمة لإصلاحها؟
في الحقيقة لا يجتهد كل الناس في ذلك ولكن أمير عبد الله خليل لديه اهتمامات من هذا النوع وهو يقتني مرسيدس وفورد، أيضًا هناك سيارة رولز رويس ولا أعلم مَن صاحبها ولكن هناك اهتمامًا واضحًا بها..
هل وجد تجديدك لها قبولاً بين الناس؟
أصابني الإحباط من المعوِّقات التي واجهتني وعدم قبول الناس لها وتركز فهمهم حول أن السيارة القديمة يجب أن تكون رخيصة وليس لها قيمة، لذلك التقدير لها ضعيف واقتناؤها أصبح مرتبطًا بالاقتصاد والتطور التكنولوجي
هل يمكننا أن نقارن بين هذه السيارة والجديد من السيارات الأخرى؟
لا توجد أي مقارنة ؛ فحديد هذه السيارة من المتانة بحيث يمكن أن يُصنع منه 4 أو 5 سيارات أيضًا قوتها لا تُضاهى، أما فيما يتعلق بالترخيص فقد واجهتني مشكلة كبيرة فقد علمت أنه كانت هناك استثناءات من الشرطة لترخيص السيارات القديمة وتكون رسومها رمزية ولكني وجدت أن الواقع مختلف.. وأنا لم أطالب بالمستحيل ولأنها سيارة قديمة طالبت أن لا يتم التعامل معها كنظيراتها من الموديلات الحديثة..
ألم تطلب منك جهة رسمية أن تقتنيها؟
أبدًا، كل من اراد شراءها كان من عامة الناس، ولكني لم أفكر قط في بيعها لأجل الحصول على المال..
هل هناك من عرض شراء هذه السيارة منك؟
هناك الكثير من رغب في شرائها ولكن بمبالغ تافهة «وهي كلمة فنية ولا تعني حقيرة» وهؤلاء لا يقدرون قيمتها التاريخية ومنهم من يريد شراءها من أجل المظهر لتفرُّد شكلها وقِدمها.. البعض الآخر يسعى لاقتنائها بغرض تسفيرها للخارج ولكني لم أفكر بفعل ذلك لأنني فنان وعندما حصلت عليها كان بدافع إحساسي الفني وليس المتاجرة..
وإن أتى من يريد شراءها بما تحدده أنت من مبلغ مالي؟
المقياس عندي الآن ليس ما تأتي به من مبالغ مالية؛ ولكني وصلت إلى مرحلة من الإحباط تجعلني لا أسعى لأي تجديد فيها ما لم أجد شيئًا يثير النظر أكثر منها وبحالة أفضل ليصبح تدخلي فيها فنيًا فقط، وهي قد تُفسّر بمزاجية الفنان التشكيلي عندما تأتيه فكرة للوحة ما وتنتهي بالفراغ من رسمها، قد اساعد شخصًا آخر لإنجاح ذات الفكرة..
كيف تصف إحساس الناس بها عندما تقودها بطرق الخرطوم؟
يعتقد البعض أنها من سيارات المتحف ومنهم من يناديني بيا أزهري أو عبود، البعض الآخر يعلق ساخرًا منها ولكن مهما كانت تعليقاتهم لا أستاء منها بل يهمني أنها لفتت الانتباه أكثر..
كلمة أخيرة؟
سعيد بتجربتي هذه لأنها نافست أحدث موديلات السيارات الحديثة، وأناشد الجهات المختصة تشجيع من لهم ميول لمثل هذه الأشياء، فهذه السيارات لها وزنها التاريخي لدى الدولة المنتجة لها، ووضعها في المتاحف أكبر خطأ؛ وأتمنى إقامة إدارة متخصصة للاهتمام بهذا الإرث وتعريف الأجيال الناشئة بها لارتباطها بجزء من تاريخنا وساستنا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.