لاذ من تبرّأت منهم المروءة، وتجافت عنهم شمائل النخوة، بالمتصدّية العنون، والجامحة الحرون، والمائنة الخؤون، التي توطّدت بينها وبينه زخرف المين، ووشي الباطل، وموه البهتان، فما لا يندُّ عن ذهن، أو يغيب عن خاطر، أن الصلة بين مغرس الفتنة، ومجمع الشرور، وقطاع الشمال صلة راسية القواعد، ثابتة الوطائد، متينة الأركان، فالقطاع الذي تسربل طواغيته بالعار، وتجلببوا بالدنيئة، يبتغي عرانينه محق عروة الدين، واستئصال شأفة الإسلام، لذا يأنس قادته إلى من تسكن إليها النفوس، وتتطلع إليها الأبصار، لقد لبى من تكأدتهم المصائب، وطرقتهم المحن، نداء من تفاقم شرها، واستطار أذاها، حتى تُهْمد نار الحنين، وينطفئ غليل الحرقة، لتلك الديار التي تهطل بالغيث، وتجود بالوبل، على حركة مشنوءة الذكر أوغرت عصبة الغي صدرها، وأضرمت غيظها، وأذكت حقدها، على وطن تكدّمتهُ المضارب، وتكهمتهُ المخالب، فالسودان الذي انتمى إلى عشيرته، واعتزى إلى رهطه، نقضت الدسائس مرّته، وألانت المؤامرات عريكته، ولا يكون من المغالاة أن نزعم أن البلد الذي كان يعتز بكرامته دون مبالغة، ويتواضع دون مذلة، قادته تلك الدولة صاحبة الملكة المطواعة في الشر، والبديهة المواتية في الخسة، مع ربائب الجهل، وشذاذ الآفاق، إلى قطر استعرت سهوله بالفتنة، وسرى في وديانه اللهيب، ولعلّ ما لا يخطر في بال، أو جال في فكر، أن السودان الحظيُّ بلبه الذهول، والحريُّ ببدنه النحول، والقمين بجسمه الذبول، أن تتضعضع دعائمه، وتنتكت مرائره، وتتزعزع أركانه، وهو البلد الذي شرفه الله بنجابة العنصر، وألمعية الذهن، وشجاعة الفؤاد، فصاحب الحظ الأكفى من العلم، والقدح المُعلى من المعرفة، والقسط الأجزل من الدين، والقسم الأتم من القيم، أمسى غاية في الغثاثة والهزال، فالسادة أولوا الفضل من لا دافع لوضوح حجتهم، ولا مدحض لنير برهانهم، هم من أطلقوا بإذعانهم لقوى الشر عقِال عقار، وأرسلوا وثاق عرمان، وأرخوا خناق الحلو، وأخلوا سبيل الحشرة الشعبية التي رسخ لها أصل، وسمق لها فرع، بعد نيفاشا البغيضة التي لو تغمد هذا الشعب الصابر على عرك الشدائد، هفوات الإنقاذ، وصفح عن زلاتها، فلن يُغضي عن جريرة نيفاشا التي يعدها السّوْة السّوْءاء، والصّيْلمُ الصّلقاء، والداء المستشري، الذي فتّ في عضد هذا الوطن الذي تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات. لقد لجأ من ذويت قلوبهم، ووغلت صدورهم، وسقمت ضمائرهم، إلى الدولة التي نشرت الجور في بقاع الأرضين، وجثمت على رقاب العالمين، فهي ترتبط برحم ماسة، ونسب دان، وآصرة وكيده، مع قطاع الشمال وغيره من الحركات المتخلفة العجفاء التي لا تنشد سوى ذيوع الصيت، والورق المالي الصفيق، ولنعتصم نحن ووفدنا الذي أتمنى أن يعتقد في من ينزل الغيث من السماء، ويدفع البلاء، ويديل الأعداء، أكثر من اعتقاده في مجالس ومنظمات بغيضة سقتنا الصاب والعلقم.