الفعل الذي سلكته شورى الحركة الإسلامية في شمال كردفان وإصرار قيادات شباب وشيوخ الإصلاح التي تدعو إلى أن تكفل للشورى الحرية في أن تختار والأخذ بالشورى حقاً ومنهجاً شرعياً وليست ترفًا هذه شكلت خطوة مهمة كفيلة بوقف نزيف مايسمى مجازاًب «التوافق» وهو المصطلح الذي عطل اللوائح وشل المؤسسات وجعلها «ميتة» غير قادرة على ممارسة دورها بصورة فاعلة ومؤثرة بالقدر الذي يتيح الفرصة لتحقيق الأهداف والمقاصد الكلية.. ثم إن «الوفاق» أو ما يتبع في أسلوب «القوائم» التي يتم تحديدها ثم فرضها على المؤتمرين هذه كلها ممارسات تصب في خانة الاحتفاظ بمصالح بعض الأشخاص والمجموعات التي تحالفت على حماية مصالحها دون النظر للمؤسسة أوالفكرة والمنهج الذي يجب أن يسود هؤلاء يجلسون بليل ثم يُدبرون ويخرجون للناس بنتيجة طبخهم الذي كثيراً ما يخرج نيئًا وغير مستساغ لكنهم يقولون هذه إرادة التنظيم أو المركز في حين أن المركز والتنظيم براء من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب طبعاً هذا الأسلوب متبع بلا استثناء في المركز والولايات وبالتنسيق بين أصحاب الأجندة المشتركة.. ما جرى في شمال كردفان محمود وأنموذج يستحق الإشادة والاتباع لأن ما واجهته موجهات الوالي ومجموعته من مقاومة وحجج قدمها أشخاص مجردون بعضهم عضو في الجهاز التنفيذي والآخر قيادي بالحزب أو المجلس التشريعي لكنهم لم يخشوا بأس الحاكم وفقد الوظيفة «سياسية أو تنفيذية» قالوها «لا للوصاية» على المؤسسة و«لا «لتجاوز ما أقرته الشورى القومية وهي أعلى مستوى من الولاية فبالتالي لا حجة للذين يقولون بأن المركز قد فرض وصاية عليهم.. كما أن الشيخ معتصم ميرغني يُحمد له كثيراً هذا الصبر وتحمُّل المخالفين فهو لم يمضِ مستبداً برأيه فقد منح الحرية للجميع رغم أنه قد صنع غرفة لإدارة المسألة وهو أمر طبيعي في ظل ما يجري من عُرف وبرغم محاولات البعض من حوله التأثير على الشورى بأسلوب «الترهيب والترغيب» لكنه فشل بجانب تلاعب في قوائم الاستكمال ..«المعتصم» سار على نهج وهدى الآية الكريمة «157» من آل عمران قال تعالى: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين» رغم أن الآية الكريمة فيها بعض المفارقة لما جرى في شمال كردفان لكن فيها مقاربة كبيرة في أصول الشورى ونزول القائد على رأي الأغلبية ولو أدى ذلك إلى الندم.. الآية نزلت عقب غزوة أحد التي خرج إليها رسول صلى الله عليه وسلم نزولاً على رأي أصحابه بعد مشورتهم كما هي عادته وكان رأيه خلاف رأيهم وهو أن يبقوا في المدينة ويدافعوا عنها من داخلها وتابعه على هذا الرأي بعض الصحابة إلا أن جماعة من فضلاء الصحابة خاصة من فاته الخروج يوم بدر وكذلك الشباب أشاروا بالخروج وألحوا عليه صلي الله عليه وسلم وكانوا هم الكثرة فنزل النبي عليه الصلاة والسلام على رأيهم فنهض ودخل بيته ولبس لامته من بعد ذلك حصلت الهزيمة وندم للصحابة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد فرض رأيه على الصحابة ولو كان سليماً وصواباً ولو حدث ذلك لأي قائد أو حاكم في زماننا هذا ثم حدثت الهزيمة والنتيجة العكسية لكان مبرراً كافياً له كي يعتد برأيه ويسفِّه الآخرين ويضرب بالشورى عرض الحائط بعد ما جلبته عليهم فيما يبدو من نتائج كارثية مؤلمة تمثلت في هزيمة راح ضحيتها سبعون من الشهداء هذا بخلاف الإصابات التي طالت الكثيرين بمن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وبرغم كل ذلك يأتي الأمر الرباني الحاسم والقاطع للنبي صلى الله عليه وسلم بضورة اتباع الشورى كمنهج والعفو والصفح عن المخالفين وهو عين الواجب الذي يجب على الحاكم أو القائد اتباعه وسررت غاية السرور حين علمت أن «الوالي» المعتصم قد ركز على هذه المعاني في خطابه الذي جاء عقب نتيجة الشورى التي لولا حساب الأرقام وعدد الرؤوس لحسبت الفوز لصالح مرشحي الشباب لأن الفرق ما بين مرشحي منصب الأمين العام نصر الدين الوسيلة وأحمد صديق رحمة كان سبعة أصوات فقط ماذا تعني هذه النتيجة لمرشح خلفه يقف الوالي وكل إمكانات وآليات وأجهزة التنظيم وآخر خلفه سيرة ومواقف ومجاهدات ولو كنت مكان أحمد صديق لتنازلت إلى «نصر الوسيلة» بكل رحابة صدر وود حتى يمضي بمسيرة الحركة الإسلامية وهم أحباء إخوان في الله ويتحول ما في القلوب من غضب ومنافسة إلى عفو ورحمة وبذلك تكون الشورى قد أتت ثمارها فليس بالمناصب أو المال يتحابّ الناس ولكن بالأخلاق والمعاملات الربانية يمضي الجميع نحو تنظيم رسالي ومثالي متراصّ ومتراحم.. كما أن نتيجة المتنافسين في رئاسة الشورى «سالم الصافي» و«محمد حسن حمدان» هي الأخرى أيضاً طبيعية لأن الفرق كان «36» صوتًا وهو يعني أن سالم لا يزال يحتفظ بمكانته وسط قيادات ورموز العمل الإسلامي وكادر الإسلاميين بجامعة الخرطوم المعروف والقائد الذي لا يستسلم أبدًا.. لقد أرسلت شمال كردفان شورى حقيقية إذا جاز التعبير عنها بهذا اللفظ شورى نبعت عن إيمان واقتناع بضروراتها ثم خلت من أي موانع للحدّ من فعاليتها رغم بعض المحاولات ومن إيجابياتها أنها أظهرت حقائق مهمة ربما تعين القيادة في مقبل الأيام وما قاله معتصم ميرغني بحق من وقفوا ضد مرشحه وقال إنهم سيجدون كل التقدير ومكان اهتمامه في الفترة المقبلة هو حديث يمثل تقديرًا واحترامًا للشورى كمبدأ أصيل للقيادة لا يمكن التخلي عنه وفيه لين الجانب والحرص على هذه القيادات.. كنت أظن أن يبادر أحد من أولئك الذين هم خلف الوالي بمقترح جمع الصف لكنهم لا يفعلون لشيء في نفس يعقوب..