عشت الاغتراب ضمن جموع الهجمة الأكبر في مطلع ومنتصف السبعينيات.. وعشنا صعوبة الغربة وألم البعد عن الوطن.. ولم تكن علاقتنا وتواصلنا مع البلد إلا من خلال الإجازة السنوية أو وصول المعارف في مواسم الحج والعمرة أو من خلال ما يصلنا من صحف عبر القادمين ولهذا كنت أرى غربتنا أكبر وأكثر ألماً من غربة جيل اليوم. المغتربون حالياً يتمتعون بالتواصل مع الوطن بسبب تطور أجهزة الاتصال الهاتفي أو الإلكتروني أو من خلال القنوات السودانية العديدة التي تجدها مبرمجة عند المغتربين من واحد إلى نهاية آخر قناة سودانية وصلت وبهذه الظروف تحس بأن مغتربي اليوم أفضل حالاً منا نحن مغتربي السبعينيات والثمانينيات. التخفيف من ألم الغربة والبعد عن الوطن بسبب وجود الوطن وأهله عبر وسائل الاتصال ولكن هذه الميزة المهمة لها سلبيات أخرى أبرزها أن المغترب لم يعد حريصاً على الاستمتاع بعطلته اليوم في أرض الوطن ووجدت كثيرين يقضونها في عواصم أخرى. ومنهم من يطالب من أسرته المقيمة في السودان لقاءه في الخارج.. ولكن يبدو أن تسهيل وصول بعض أفراد الأسرة لدول اغتراب أبنائهم كان من أسباب عدم حرص كثيرين لقضاء الإجازة والوطن. وتمتد المقارنة بين اغترابنا بالأمس واغتراب اليوم.. ونلاحظ أننا كنا نحدد أهدافاً للغربة وكان من أبرزها بناء الأسرة والمسكن بالداخل وكثيرون منا عادوا للوطن بعد تحقيق الهدف.. ولا أعرف مدى حرص مغتربي اليوم على هذه الأهداف في ظل غلاء المعيشة في أول الاغتراب وأحياناً تخفيض الرواتب بل أحياناً وجدت كثيرين بدون عمل ثابت ويرفضون العودة بحجة التهرب من السؤال الصعب.