منذ أعلن السودان عن قيام طائرات إسرائيلية بمهاجمة مصنع اليرموك للأسلحة في جنوبالخرطوم قبل نحو أسبوع وأسفر عن تدمير مبنيين رئيسَين بالصواريخ والقذائف وتصدع «21» مبنى آخر، فيما سُوِّيت بالأرض «40» حاوية بمحتوياتها المعدَّة للشحن، والتكهنات تتزايد بشأن المسار الجوي الذي اتخذته الطائرات الإسرائيلية من قواعدها في إسرائيل حتى وصلت إلى أهدافها في العاصمة السودانية، خاصة مع تزايد احتمالات اختراق الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي لأكثر من بلد عربي هي مصر والأردن.. صحيفة الشروق المصرية الصادرة أمس حاولت استكشاف المسارات المحتمَلة للطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى أهدافها في الخرطوم، فتحدثت إلى أربعة خبراء عسكريين من مصر ولبنان، فرجح ثلاثة منهم أن الطائرات أقلعت من قواعدها فى إسرائيل مرورًا بخليج العقبة، ومنه إلى البحر الأحمر، وصولاً إلى مدينة بورتسودان الساحلية ومنها إلى الخرطوم.. فيما حدد الخبير الرابع مسارًا آخر للطائرات الإسرائيلية وهو: إقلاع الطائرات من قاعدة «رامون» الجوية الإسرائيلية فى جنوب صحراء النقب، مرورًا بالمنطقة الواقعة جنوب الأردن، مخترقة شمال خليج العقبة، المواجه لصحراء سيناء، ثم إلى عرض البحر الأحمر، ومنه إلى بورتسودان وصولاً إلى العاصمة السودانية الخرطوم. المسار الأول: قال الخبير العسكري المصري اللواء المتقاعد نبيل فؤاد، إن مسار الطائرات الإسرائيلية حتى الوصول إلى السودان له طريق واحد، وهو إقلاع الطائرات من ميناء إيلات المطل على البحر الأحمر، مرورًا بخليج العقبة إلى البحر الأحمر، ومنه إلى مدينة بورتسودان الساحلية السودانية ومنه إلى الخرطوم.. وقال اللواء فؤاد: إن «هذه المسافة بعيدة (نحو 1900 كيلو متر) لكن إسرائيل لديها القدرة على الطيران لمسافات أبعد من ذلك؛ لأن لديها الطائرات التي تستطيع قطع هذه المسافة وهي (F16)، التي يتم تزويدها بالوقود في الجو من خلال طائرات (C130)، كما أنها تمتلك الطيارين المدربين على الطيران الليلي على أعلى مستوى». ورجح الخبير العسكري أن تكون الطائرات الإسرائيلية التي هاجمت مصنع اليرموك قد طارت في المجال الجوي للمياه الدولية، مستغلة الممرات الدولية المخصصة للطيران المدني، كنوع من المناورة، إلى أن وصلت البحر الأحمر حتى ميناء بوتسودان السوداني، ومنه إلى الخرطوم، وهو نفس التكتيك الذي اتبعته في الهجوم على المفاعل النووي العراقي (تموز) في السابع من يونيو عام 1981.. وأكد اللواء فؤاد أن هذه العملية الإسرائيلية تطلبت تحضيرات وتجهيزات كثيرة ودقيقة، منها رصد الهدف (المصنع) بشكل جيد جدًا، ومعرفة أقرب المطارات السودانية القريبة منه، وهل لدى السودان مضادات أرضية أو طائرات يمكنها اعتراض طائراتها المهاجمة. وأشار إلى أن الطيران السوداني ضعيف، وليس لديه مضادات أرضية قوية، وقدرات طيارييه على الطيران الليلي محدودة، وبالتالي نفذت إسرائيل عمليتها ضد الأهداف السودانية دون مقاومة تُذكر. اللواء المتقاعد محمد علي بلال، الخبير العسكري اتفق مع اللواء فؤاد في أن المسار المرجح للطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى السودان، قائلاً: «لا يوجد سوى مسار وحيد للطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى السودان وهو: الإقلاع من القواعد الإسرائيلية مرورًا بخليج العقبة وصولاً إلى البحر الأحمر ومنها إلى بورتسودان وصولاً إلى الخرطوم». وشدَّد اللواء بلال على أن هذا المسار بداية من خروجه من القواعد الإسرائيلية مرورًا بخليج العقبة وصولاً إلى البحر الأحمر يقع في المجال الجوي الدولي، الذي لا يتطلب إذنًا من أي دولة للمرور فيه، وبالتالي فهو بعيد عن المجالين الجويين المصري». وبسؤاله حول إمكانية رصد الطائرات الإسرائيلية من قبل الرادارات المصرية ، قال اللواء بلال: «إمكانية رصد الطائرات الإسرائيلية سهل، لكن القانون الدولي يعتبر أن تسليط الردارات على الطائرات المارة في المجال الجوي الدولي عمل عدائي ضد هذه الطائرات، ويحق للدولة التعامل مع أي طائرة عند اختراقها للمجال الجوي الخاص بها، ولذلك ما لم تحصل الطائرات المارة على إذن بدخول المجال الجوي لأي دولة يحق للأخيرة التعامل الفوري معها وإسقاطها». ومتفقًا مع اللواء بلال واللواء فؤاد، قال العميد المتقاعد في الجيش، وهبي قاطيشا، إن مسار الطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى السودان واحد، وهو: الإقلاع من قواعدها في النقب، مرورًا بخليج العقبة، ثم المرور فوق مضايق تيران، ومنها إلى التحليق فوق البحر الأحمر، وصولاً إلى بورتسودان، وصولاً إلى الخرطوم. المسار الثاني: العميد الركن المتقاعد فى الجيش اللبناني وليد سكرية، يرجح من جهته أن الطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى الأراضي السودانية انطلقت من قاعدة «رامون» الجوية الإسرائيلية في جنوب صحراء النقب، من خلال طائرات من طراز «F16» التي صُنعت خصيصًا للتزود بالوقود داخل جسمها عبر خزانات متعددة وليس خزان وقود واحدًا، وهو ما يساعدها على التحليق لمسافات بعيدة جدًا، وهي مصنوعة خصيصًا للوصول إلى الأراضي الإيرانية، ثم مرت هذه الطائرات على المنطقة الواقعة جنوب الأردن، مخترقة شمال خليج العقبة المواجه لصحراء سيناء، ثم إلى عرض البحر الأحمر، ومنه إلى بورتسودان وصولاً إلى العاصمة السودانية الخرطوم. ورجح الخبير العسكري اللبناني سير الطائرات الإسرائيلية في هذا الاتجاه لأنها لو تحركت من إيلات مرورًا بخليج العقبة سيسهل بشدة رصدها ومراقبتها من مدينة طابا المصرية ومدينة العقبة الأردنية، فضلاً عن أنها بسيرها في الصحراء الموجودة جنوب الأردن، «وهي مناطق لا تحظى بمراقبة جيدة من السلطات الأردنية» قبل انطلاقها على البحر الأحمر سيجنبها ذلك المرور فوق مضيق تيران، الذي تتحكم فيه مصر. هل انطلقت الطائرات من إثيوبيا؟ أجمع الخبراء العسكريون الذين تحدثت إليهم الشروق على صعوبة انطلاق الطائرات الإسرائيلية من الأراضي الإثيوبية، نظرًا لعدم وجود قواعد إسرائيلية في أديس أبابا، فضلاً عن الكلفة السياسية العالية التي ستدفعها إثيوبيا. وفي السياق ذاته، قال العميد المتقاعد وهبي قاطيشا: إن «إسرائيل نجحت بالفعل في التمركز بقوة في جنوب البلدان العربية عبر البلدان الإفريقية منذ أكثر من 30 عامًا، لكن ذلك عبر المساعدات الاقتصادية وبعض المنح العسكرية، لكنها لا تملك أي قواعد عسكرية، وهو ما يجعل قيام الطائرات الإسرائيلية بضرب السودان من خلال الأراضي الإثيوبية مستبعدًا».