لعل من حيث المبدأ يتفق الكثيرون على أحقية المعارضة في أي بلد إنشاء إذاعات تنطق باسمها، لكن التحفظ الذي يبرز دائماً هو مدى استقلالية هذه الإذاعات من براثن الاستقطاب في البلد الذي تبث منه إرسالها، وفي السودان كانت للتجمع المعارض إذاعة في إثيوبيا في عام1990م، واستمرت عاماً واحداً، حيث تم إقصاء الرئيس الإثيوبي منقستو من سدة الحكم، لكن المعارضة أنشأت اذاعة أخرى في العاصمة الإريترية، وكانت تبث أخباراً وتقارير ومقالات يتم انتقاؤها من الصحف السودانية، لكن بالطبع لا يمكن لأي مراقب منصف أن يبرئ تجربة الإذاعات المعارضة في السودان من خيوط التأثيرات الخارجية، فضلاً عن أن مصداقية ما تبثه من أخبار أو تقارير كان على الدوام محل شك في معظمه، وذلك لأن هذه الإذاعات لم تكن تنتهج سياسة تحريرية متفق عليها من التيارات السياسية داخل التجمع، وربما لأن الغرض الأساس منها هو بث عدم الثقة في النظام وفق نهج مكفيلي لا يهتم كثيراً بمدى شفافية وصدقية الطرح، فهي لم تكن تخرج في أدبياتها عن نهج خطاب المنشورات السياسية القائم على مخاطبة المشاعر قبل العقول. وفي هذه الحقبة الآن توجد إذاعة راديو سودان سيرفس، وهي إذاعة معارضة معنية بقضايا دارفور، في محاولة لتكريس رأي جمعي ضد سياسة حكومة الخرطوم، ويعود ميلاد هذه الإذاعة الى عام 2003م، وكان بثها الأول في الثلاثين من يوليو لمدة ساعة واحدة، وتعتمد على ملخصات صحفية مقتضبة بجانب الموسيقى، وبدأت إرسالها بالخرطوم شارع «61» بالعمارات، وعندما شعرت بعيون السلطات نقلت نشاطها الى كينيا، وتدعم هذه الإذاعة بواسطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ومنظمة تطوير التعليم (EDC)، ويتم عادة رفع تقرير أسبوعي للحكومة الأمريكية او الجهات الداعمة حول سير العمل بالإذاعة والتغطيات التي تقوم بها. لغات البث تبث الإذاعة برامجها بإحدى عشرة لغة محلية في دارفور، ويوجد ممثل لكل قبيلة يعمل على تقديم الأخبار والبرامج، منها ثلاث لغات محلية في غرب السودان هي الفور والمساليت والزغاوة باعتبارها تمثل كبرى القبائل في دارفور. إدارة الإذاعة يدير الإذاعة أمريكي يدعي شارلس نوزرب وكان ضابطاً في قوات المارنيز، بينما يشرف على قسم السودان بالإذاعة كادر من أبناء الداجو يدعى صالح عبد الله، وكان يعمل كاتباً بإحدى الصحف السودانية، وتم استبداله بآخر يسمى حسين حلفاوي بوصفه مشرفاً على الخدمة الإذاعية الخاصة بدرافور، بالإضافة الى علي جالو وهو من أبناء جنوب كردفان ومصنف بأنه داعم لقطاع الشمال بالحركة الشعبية، بالاضافة الى ايمان أبو ضامر من شمال كردفان. مواعيد البث تبث الإذاعة برامجها في الفترتين المسائية والصباحية لمدة ست ساعات يومية على الموجات القصيرة، واثنتي عشرة ساعة في اليوم على موجة ال «إف. إم» باستخدام اللغات المحلية والإنجليزية والعربية البسيطة «عربي جوبا». العلاقة بجنوب السودان مع مكتب دارفور بعد فصل الجنوب تم فصل الخدمة المقدمة لجنوب السودان عن الخدمة المقدمة لولايات السودان إداريا ومالياً، إلا أن ما يجمع الخدمتين هو رفع تقارير للحكومة الأمريكية حول الأوضاع الجارية بالحرب في السودان وجنوب السودان. المستهدفون بالبث تستهدف خدمات الإذاعة السودانيين داخل وخارج السودان، وموجه لولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان والمقيمين بجنوب السودان، ولهذه الإذاعة تأثير مقدر وشبيه بردايو دبنقا في هولندا، الإ أنه بالرغم من أن موظفي هذه الإذاعة لديهم ميول سياسية، إلا أنها تدعي أنها مستقلة وتعمل على موازنة الخبر، أي بالرجوع لكل الأطراف سواء الحكومة أو الحركات المتمردة في دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق. ومع ذلك يمكن القول إن إذاعة دبنقا لها مستمعون أكثر باعتبارها لا تنتهج نهج الموازنات وتركز على الحركات المسلحة. أدوار ما وراء الستار لكن على الرغم من أن هذه الإذاعة تنتهج ظاهرياً سياسة الموازنة في الخبر، لكنها توظفه بما يخدم أغراضها، فضلاً عن أن التقارير التي ترسلها الإذاعة للحكومة الإمريكية والدعم الأجنبي لها يضعانها في خانة النشاط الاستخباري المشبوه، ولهذا يبدو أن لهذه الإذاعة أدواراً خفية تكمن ما وراء الستار.