المجاعة التي تضرب بلدان القرن الإفريقي بما فيها الصومال شرقاً وكينيا جنوباً أخذت تُطبق على خناق جنوب السودان فها هو المجلس التشريعي لجنوب السودان يحذِّر من بوادر كارثة إنسانية جديدة تتمثل في المجاعة التي تهدِّد مختلف ولايات جنوب السودان. ووفقاً للخبر المنشور في الصفحة الأولى بصحيفة «آخر لحظة» بتاريخ 11/9/2011م فإن الجنوب مقبل على مجاعة طاحنة في وقت تعصف به المشكلات السياسية والاقتصادية وتفتك بمواطنيه الحرب الأهلية التي يموت جراءها المئات كل شهر في صراع قبلي يتزايد كل يوم مع تزايد وتيرة هيمنة الجيش الشعبي الذي يمكِّن لهيمنة قبيلة الدينكا على مفاصل السلطة وخزائن الثروة. هذا الأمر هو الذي يدفع أبناء الجنوب للنزوح إلى الشمال مما أشرنا إليه في خبر والي النيل الأبيض يوسف الشنبلي الذي تحدث قبل أيام قليلة عن موجة نزوح كثيف نحو ولايته من جنوب السودان حيث يُدخل الشمال كل يوم من «40 50» أسرة جنوبية عبر ولاية النيل الأبيض في وقت يُطرد فيه الشماليون بالمئات كما حكى الوالي الذي كان الرئيس البشير قد وجّهه خلال لقائه به لتوفير الخدمات لثلاثين ألف مواطن شمالي فرُّوا من جحيم الجنوب هرباً من حملات الاستهداف والتضييق والقتل والنهب التي يتعرّضون لها. أخبار نزوح الشماليين من الجنوب نحو الشمال عبر الولايات الحدودية كتبنا عنها كثيراً كما كتبنا عن النزوح المضاد من أبناء الجنوب فراراً من الجوع والاقتتال القبلي نحو الشمال لكن مايثير الضحك أن الوالي قال، حسب الخبر، إن نزوح الجنوبيين يأتي في إطار فترة السماح التي قيل إنها حُدِّدت من قِبل الحكومة السودانية للجنوبيين لتوفيق أوضاعهم!! ما كنتُ أحسب أن تلك الفترة التي قررها منبطحو المؤتمر الوطني تطول حتى أبناء الجنوب الذين لم يسبق لهم أن رأوا السودان الشمالي أو عاشوا فيه ممّن وُلدوا وترعرعوا في الجنوب ولم يزوروا الشمال من قبل إلى أن انفصلوا بدولتهم باختيارهم الحُر ورفضوا البقاء مع الشماليين في وطن واحد... عجيبٌ والله أمرُنا نحن المساكين الذين نستقبل من يرفضون مشاركتنا في وطن واحد حتى ممَّن لم يروا الشمال في حياتهم بينما يُطرد أبناؤنا بعد أن تُنهب ممتلكاتُهم ويُروَّعون!! أكبر المكاسب التي تحققت جراء الانفصال والتي تتمثل في انتهاء التنازع حول الهُوية والسلوك والعادات والتقاليد والانسجام والتوافق الاجتماعي والتجانس مما رأينا آثاره عقب رجوع الجنوبيين إلى بلادهم قبل الاستفتاء.. كل ذلك يضحَّى به بقرار فوقي من الحكومة لم يُستشر فيه أبناء الشمال الذين يعانون من الضائقة المعيشية وتأبى حكومتنا إلا أن تزيد من معاناتنا بقرارات تزيد من التوتر الاجتماعي والأمني ومن الضغط على الخدمات جراء ذلك النزوح الناشئ عن حب مجنون من طرف واحد لمبغضيه من الطرف الآخر... حب لا يزال متيّموه يعيشون في الماضي ويرفضون الانتقال إلى الحاضر ناهيك عن مستقبل وُضع في أيدي من جُبلوا على سياسة إطفاء الحرائق ورزق اليوم باليوم!! سلفا كير يُمطرنا بكيده ويرسل جنوده ودباباته لقتالنا في النيل الأزرق بدلاً من إطعام شعبه الجائع بينما يستقبل منبطحونا مواطنيه ويأوونهم فها هي سوبا تشكو من نزوح جديد وسكن عشوائي يتسلل في أطرافها وها هي كوبر تئن تحت وطأة القادمين الجدد وستسمعون عمّا قريب عن عودة «النقرز» ليروِّعوا الخرطوم وتمتلئ بهم أضابير الشرطة وما خفي أعظم فهل من دبّر أحداث الإثنين الأسود وتحدث عنها قبل انفجارها في قلب الخرطوم عاجز عن تدبير مثيلاتها وهل مات عرمان وباقان وعقار والحلو أم لا يزالون أحياء يمكرون بالليل والنهار وينسجون خيوط مؤامراتهم لنقل المعركة إلى الخرطوم كما هدد عقار وتوعد؟! كانوا يكذّبون ما نقول عندما طرحنا رؤيتنا قبل سنوات حول الانفصال وكانوا يسخرون ويضحكون عندما قلنا إن الجمع بين الشمال والجنوب كالجمع بين القط والفار في عش زوجية واحد وكانوا يهدرون مواردنا في إحياء الموتى وفي الحديث عن عجل السامري المسمى بالوحدة الجاذبة التي بلغ من ضلالتهم أن يقوموا بحشد الأطفال لأداء الصلاة طلباً للوحدة وينقلوا تلاميذنا لإقامة الدورة المدرسية في واو بعد صرف عشرات المليارات التي ذهبت أدراج الرياح وطرد تلاميذنا شر طردة ولا يزال القوم يتجاهلون نصائحنا بعد أن تجاهلوها قديماً حين كنا نكتب بعنوان صارخ «فستذكرون ما أقول لكم» وحين نهزهم هزاً ونؤزهم أزّاً برسائل إلى (قبيلة النعام) ولكن متى كان لقصير أمر؟! إننا إذ نحذِّر اليوم مما يجري في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور التي ستعمل أمريكا وحلفاؤها على تفجيرها بغرض إجهاض اتفاق الدوحة خاصة مع عودة عدو أهله وشعبه ووطنه خليل إبراهيم.. إننا إذ نحذر من ذلك كله لنطلب إلى الحكومة إعادة رسم إستراتيجيتها بما يؤمِّن جوارنا الجنوبي بعد أن أمَّن الله تعالى جوارنا الشمالي والغربي ولن يتأتّى ذلك إلا باقتلاع الحركة الشعبية من جوبا وزعزعة نظام يوري موسيفني في يوغندا من خلال دعم القبائل المتمردة على النظام اليوغندي وجيش الرب أسوة بما ظلوا يفعلون من قديم وحتى اليوم. آن للحكومة وللقوات المسلحة وجهاز الأمن أن يُفيدوا من أوراقهم في مواجهة خصومهم الخارجيين بدلاً من إلقائها في قارعة الطريق أو تمزيقها أو اعتقالها في الأدراج فنحن في عالم لا يحترم إلا الأقوياء ويجب أن يشمل ذلك جوارنا الشرقي (إريتريا وإثيوبيا) فالجميع يعيشون في بيوت هشه وأي اضطراب يضرب السودان يصيب منهم مقتلاً فبلادهم تئن بالتمردات القبلية النائمة التي يسهل إيقاظها والجوع يفتك بشعوبهم التي تكاد تسد طرقاتنا وبمقدورنا أن نكشر عن أنيابنا إن أردنا فهلاّ أعددنا العدة لمواجهة من يتاجرون في أزماتنا ومن يُوظَّفون من قِبل أمريكا للعبث بأمننا وسلامنا الاجتماعي؟! نعم علينا ألا نبدأ بعدوان لكن علينا كذلك أن نكون مستعدين..