ربما ظن بعض الناس أن أهل منبر السلام العادل فات عليهم أن الجنوب ربما سيكون شوكة في خاصرة السودان.. ونقول لهم إن الذي يتعامل مع باقان وعرمان بل وسيلفا كير نفسه ومن قبلهم جميعاً جون قرنق دي مبيور ثم يظن أن حقبة ما بعد الاستقلال استقلال الشمال ستمر بهدوء وسلام ووئام وستمتلئ بالوداعات.. والقبلات.. والتبريكات والدعوات الحارة والزيارات المكوكية للأفراد وللأسر والمسؤولين من ظ هذا أو شيئاً منه فلا بد أن يكون إنساناً ساذجاً.. أو كاتباً ساذجاً.. أو سياسياً ساذجاً.. أو رجل دولة ساذجاً.والشاهد في ذلك واضح.. والحُجة بيِّنة.. لو كان أهل منبر السلام العادل يتوقعون من باقان وعرمان وجنودهما أنهم كانوا سيتصرفون بهذا الأسلوب الحضاري الراقي.. لما دعوا إلى السلام العادل أصلاً .. لأن السلام العادل كان سيكون حاضراً.. وكيف تدعو إلى إقامة شيء هو أصلاً قائم.. أو إيجاد شيء هو أصلاً موجود.. كانت هذه ستكون أكبر سرقة سياسية في تاريخ العالم. لو كان الأمر كذلك لما قام منبرالسلام العادل أصلاً.. أو ربما قام لمبرر آخر غير البحث عن السلام العادل.. كان ذلك سيكون من باب تحصيل لحاصل ولكن منبر السلام العادل قادم.. ولا يزال قائماً.. ولا يزال ينتشر.. إلى درجة أن عضويته الآن موجودة داخل المكاتب القيادية لكثير من التنظيمات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية. صحيح.. هذه عضوية فكرية.. وليست تنظيمية.. ولكنها دليل على انتشار المنبر وانتشار فكرة السلام العادل ودليل على قناعة أغلب أهل السودان بأن البلد في حاجة ماسة إلى السلام العادل.. ونحن ننبه الغافلين.. ونذكر المتناسين أن أي كائن لا يمكن أن يحتمل شوكة في خاصرته إلا لأجل محدود.. والذي لا يستطيع أن ينزع شوكة من خاصرته.. فهو يستحقها. على أن الذي في خاصرة السودان اليوم ليس شوكة بل هو نصل ونصل مسموم.. ونحن الذين غرسناه في خاصرتنا لمّا قبلنا بفكرة «تحرير السودان» وتعاملنا مع شذاذ الآفاق من أمثال باقان وعقار وعرمان وجعلناهم يظنون أننا نظن أن هناك احتمالاً ولو كان ضئيلاً بأن فكرة «تحرير السودان» قد انطلت علينا وأنهم يمكن أن يكونوا جزءاً من آلة الحكم وآلة الدولة لخمس سنوات من عمر الكون الواسع العريض الممتد.. إن الشوكة بل النصل لا يزال في خاصرة الوطن.. ولا يمكن نزعه بفتح عشرة معابر حدودية لتبادل السلع ولحركة المواطنين والدولتان في حالة حرب.. في رائعة النهار.. العالم كله يدركها.. ويشاهدها.. وبعضه يشارك فيها.. ورئيس الدولة المعتدية يصرح في شيء من عدم الكياسة وعدم اللياقة بأنه لن ينسى متمردي دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق .. هو لم يقل متمردين لأنه هو نفسه كان متمرداً.. وكان زعيم المتمردين. لا يمكن نزع الشوكة فكيف إذا كانت نصلاً من خاصرة الوطن إذا كنا نصرح بأن الخائن المتمرد المحارب عقار يمكن أن يعود مرة ثانية والياً على النيل الأزرق إذا تاب.. إن دقة الموقف.. وحساسية المنصب تضطرنا في كثير من الحالات إلى الكنايات والمعاريض واللحن الذي يفهمه أهل السياسة والكياسة.. بمثل هذا التصريح تظل دولة السودان في أريحية لا تُحسد عليها تقبل تسجيل حركات التمرد تسجيلاً قانونياً ودستورياً يسمح لها بأن تدخل عاصمة البلاد بكامل أسلحتها الميدانية والشخصية وأن تدخل القاعات وربما قاعات المحاكم كذلك وهي تحمل السلاح وذلك أمر منطقي بعد تسجيلها لأن السلاح هو رأسمالها وهو سلعتها التي تروجها في السودان. بمعنى آخر يعني كوبتريد وكنانة وشيكان وبنك فيصل أو بنك الخرطوم مثلها مثل الحركة الشعبية «قال قطاع الشمال .. قال» وحركة تحرير السودان والعدل والمساواة وغيرها من «الفكة» التي يحلو للصادق المهدي أن يتفكه ويتندّر بها. المطلوب إصدار قرار رئاسي وإعلان كل من يحمل السلاح مطلوباً للعدالة ومحارباً تقع عليه عقوبة الحرابة وإعلان جائزة لكل من يدل على عقار أو عرمان أو الحلو «حياً أو ميتاً». وبغير هذا ستكون صناعة التمرد هي صناعة من لا صناعة له ووطنية من لا وطنية له.. ودين من لا دين له .. وستظل الدولة هي الممول والداعم الأكبر للتمرد في السودان..