الأديب والإعلامي الكبير الدكتور عثمان أبو زيد، أهدى المكتبة العربية تحفة أدبية رائعة بعنوان «صور قلمية» وهو كتاب ممتع ومفيد، جميل العبارة، رشيق الأسلوب، وعميق الطرح.. ما يفتحه من كوى التخيل أعمق مما يقدمه من بوح وإعتراف.. وهو في ذات الوقت مخيف ومرعب في بعض جوانبه، ولطيف مبهج في جوانب أخر.. تطرق بسلاسة إلى بعض ما يمكن أن يطلق عليه«المسكوت عنه».. ومر كالرياح الموسمية على بعض إخفاقات حياتنا الاجتماعية. أو كرياح النو في بعض جوانبه العقلية العربية.. ورياح النو للرواويس نذير عواصف آتية.. قد يعقبها الصلاح في غالب الأحيان. الصور التي حملها الكتاب، وهي صور تستحيل إلى مشاهد كاملة، فما أن تتخلص من متعة القراءة وأسر الأسلوب الرصين والكلمات الفارهة، إلا وتسيح في فضاءات الخيال والتأمل التي تثيرها موضوعات الكتاب التي يتعلق بعضها بجوانب من حياتنا نحب أن تظل مخفية ومغطاة، ولا نسمح باجترارها حتى لو خلونا مع أنفسنا وإن انفلتت خلسة من اللاشعور، استعذنا بالله من شرها وطردناها إلى حيث تقبع في اللاشعور، ذلك لمن أوتي من صفاء النفس ونقاء السريرة القدر الكبير، وهذا ما يدفعني للتساؤل، هل هي مجرد صور قلمية؟ أم مشاهد حياتية يختلط فيها الواقع بالمتخيل، الثابت بالمتحول، والماضي بالمستقبل، مشاهد خالية من عوادي الادعاء ومجسدة بآلة الصدق ونكران الذات.. تراجي عبد الحميد مثلاً، وهي أمريكية اعتنقت الإسلام، قصة مؤثرة للغاية، إنها قصة فتاة آمنت بصدق واستوعبت رسالة الإسلام، وتغلغل الإيمان في قلبها، فأصبحت تنظر إلى من حولها لتحميهم من مصابها، وتدفع عنهم بلاء الايدز بما تملك من صبر وجلد وعزيمة صادقة، بينما كان زوجها، وهو من جلب إليها الفيروس- على النقيض منها، استحوذ عليه الحزن حتى مات، كانت هي تدعو الله أن ينجي الناس جميعاً مما ألم بها، وكان زوجها يتساءل«لماذا هو بالذات من دون الناس يصاب بهذا المرض اللعين» وهذا هو الفرق بين من يصبر ويحتسب وبين من يجزع.. فتراجي بكلماتها المباشرة تواجه جحافل الجهل والتقوقع والارتكان إلى مقولات جاهزة غير قابلة للتغيير عند بعض ذوي الفهم القاصر للإسلام. يقابلها في نفس الكتاب صورة فتاة أخرى، وهي الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي التي واجهت بما أوتيت من أصالة وعمق نظر، الحضارة الغربية المعاصرة لتفضح وضع المرأة في المجتمع الغربي، قرأت لهذه الكاتبة بعض كتبها ومنها كتابها الرائع«هل نحن محصنون ضد الحريم».. وهي تركز قلمها بكل شجاعة ليتصدى لتصوير بعض المشاهد السالبة في المجتمع، لكنها رصينة في طرحها، عميقة في تناولها، كتاب عثمان "أبو زيد" يقدم أيضا نموذجاً حياً لأحد العصاميين وهو الدكتور يوسف حامد الذي تنقل بين بادية كردفان وخلاوي تشاد ليصبح أحد العلماء البارزين في السودان.. تلك ملامح من صور الكتاب، آثرت أن اتناول بعضها في هذه القراءة، لكن الكتاب يستعصىي على الاختصار أو التلخيص، فهو كالقطعة الموسيقية، أجزاؤها أو تفاصيلها مجتمعة تكون السمفونية ولا يمكن تجزئتها..