٭ قبل أن ينفذ والي ولاية النيل الأزرق المعزول مالك عقار خطته الرامية إلى تحويل الولاية إلى دويلة مستقلة عن جمهورية السودان، أو يضيفها إلى جمهورية جنوب السودان التي يحكمها رئيسه في الحركة الشعبية «لتحرير السودان» وينوب عنه هو في الحركة، قبل هذا كان المناخ السياسي الرسمي بالبلاد متسامحًا مع تصريحاته المخالفة للدستور والخارجة عن اللياقة ومع مواقفه المجافية للروح الوطنية، وظن أن التمهيد لتنفيذ خطته بهذا السلوك قد استوى ولم يبق إلا انتزاع الولاية من البلاد وحكمها بغير الارتباط بها كما كان جنوب السودان قبل أكثر من ستة أعوام أي منذ إدخال اتفاقية نيفاشا حيِّز التنفيذ. ولكن الأخبار والمعلومات حول كيفية انتزاع الولاية من القطر، وعرف الناس أن ما نفذه المدعو المعز لدين الله في مصر حينما انتزع ولاية مصر من الدولة العباسية يريد تكراره أيضاً مالك عقار بانتزاع ولاية النيل الأزرق من الدولة السودانية، ووجه الشبه بين المعز ومالك عقار هو أنهما يتفقان في تحقيق الطموح الشخصي ولو كان ثمنه إراقة الدماء ونسف الأمن والاستقرار وتعريض الرعية إلى فتح ثغرة ينفذ من خلالها العدو.. ومعلومة قصة إعادة صلاح الدين الأيوبي لمصر إلى الدولة العباسية توطئة لهزيمة الصليبيين في فلسطين في الحرب الصليبية التي تحقق فيها الانتصار للمسلمين ورغم ذلك لم يرث صلاح الدين الحكم في مصر بل أعادها إلى سلطان بغداد، فالرجل صاحب فكرة إستراتيجية وليس طموحًا شخصيًا مثل المعز وعقار. أما وجه الخلاف بين المعز وعقار فهو أن الأول الذي ادعى الانتساب إلى سيدنا الحسين رضي الله عنه كان أذكى، رغم أن ادعاءه باطل بدليل أن بعض النسابين جاءوا إليه ليتحققوا معه في نسبه، فارتجف المعز وخشي الفضيحة، وحسم الأمر بقوله لهم بعد أن جرد السيف من غمده ونثر الذهب قال: «هذا حسبي وهذا نسبي». وبان الكذب، لكن الأغرب أنه حتى الآن في كتب التاريخ يُكتب بأنه «المعز لدين الله الفاطمي».. والسيدة فاطمة رضي الله عنها براء منه. المهم في الأمر هو أن مالك عقار لم يكن ذكياً مثل قائده الراحل جون قرنق الذي لم يفكر أيام التمرد رغم قوته العسكرية وعلاقاته التآمرية بالغرب وإسرائيل لم يفكر في أن يصل إلى حدود عام 6591م ليفعل ما حاول أن يفعله عقار في النيل الأزرق، بالرغم من أن فرصه كانت أكبر وأوسع من فرص عقار في انتزاع الإقليم الجنوبي آنذاك، لكن قرنق يفهم أن معظم القبائل الجنوبية تبغضه، وعقار يظن أنه بمنفستو الحركة الشعبية يستطيع أن يقنع سكان النيل الأزرق برفع راية الاستقلال.. وإن فشل تحقيق هذا الهدف، فيكون ما فشل فيه هو الطريق إلى نقل النيل الأزرق إلى حالة الجنوب، أي يريد أن يستفيد من «خردة» اسمها «نيفاشا» أي اتفاقية نيفاشا، يريد أن يقوم بصيانتها وتعديلها لكي تحقق غرضه في النيل الأزرق على حساب أمن واستقرار الولاية.. عقار صاحب طموح شخصي لكنه لا يملك ذكاء المعز لدين الله صاحب الذهب والسيف وليس النسب الشريف، ولا يملك ذكاء جون قرنق الذي راعى ضرورة المعادلة، ففصل فكرة الجنوب برضاء الجنوبيين. محور الديمقراطية والجنوب ٭ استطاع وزير الخارجية التركي بشهية مفتوحة أن يتحدث عن فكرة محور ديمقراطي مسالم في المنطقة الإسلامية يضم تركيا، مصر والسودان. ويقول الوزير التركي إنه لا يريد للمحور أن يكون ضد أية جهة لا إسرائيل ولا إيران ولا أي بلد آخر. وبالطبع مثل هذا المحور إذا تبلورت فكرته لابد أن يتوسع ليشمل تونس وليبيا الجديدة، وربما جمهورية جنوب السودان إذا نجح الثوار الجنوبيون في إطاحة حكم الحركة الشعبية التي لا تهضم مصارينها الوجبات الديمقراطية السريعة حيث يكون الحكم بالتداول لفترة قصيرة، نقول هذا لتوقعاتنا بأن حكم الغد في الجنوب بوساطة الثوار قد يفتح الطريق لتعاون إستراتيجي بين الشمال والجنوب السوداني خاصة وأن من تعاديهم الحركة الشعبية من أمثال الدكتور لام أكول والدكتور رياك مشار وعلي تميم فرتاك هم الأهل لقيادة مشاريع التقدم والازدهار لصالح المواطن الجنوبي، لكن الآن لاحظ لشعب الجنوب، فهو محروم من قيادتهم، لكن قد يطيل الله في أعمارهم، أما مشار فرغم إنه قيادي بالحركة الشعبية وبسلطتها إلا أن المثل السوداني يقول «اليد الواحدة ما بتصفق»، فدكتور مشار يد واحدة لا تصفق في حكومة الجنوب. المحور الديمقراطي زحف أخضر لصالح الشعوب المريدة للحرية والكرامة، وهاهي تركيا أردوغان تأتي هذه المرة ديمقراطياً بخلاف تركيا عثمان بك جركس. قبل دولة فلسطين ٭ مثلما فكر اليهود قبل قيام دولتهم التي مهد لها في أرض فلسطين الاحتلال البريطاني المسمى «الانتداب البريطاني» فكروا في تقويض سيادة المسلمين الموحدة وعاصمتها إستانبول بتركيا حينما نشط يهود الدونمة الأتراك بقيادة أتاتورك الناكر ليهوديته لذات الغرض في عزل تركيا مقر عاصمة المسلمين عن العالم الإسلامي بما سمى حزب تركيا الفتاة، فلابد إذن أن تعود الأراضي المغتصبة في فلسطين والسيادة المنزوعة في أفغانستان والعراق الكرامة المفقودة في بعض دول المسلمين التي تمخر في مياهها الإقليمية أساطيل السفن الأمريكية الحربية لابد أن تعود حياة المسلمين الكريمة بنفس الطريق الذي مضت به منذ عقود من الزمان، وبالطبع فإن أول محطة في هذا الطريق هي تحسين العلاقات الدبلوماسية بين الدول الإسلامية بغض النظر عن اختلاف الأيدولوجيات الى أقصى درجة ممكنة، وإذا حاولت دولة أو أكثر أن تتعامل من خلال منهج طائفي لابد أن تُعزل مثلما عُزلت بعض الدول أو القوميات منذ بدايات مشروع استئناف وحدة المسلمين على يد محمد الفاتح العثماني. فهذه هي خريطة الطريق الصحيحة لتحرير فلسطين واسترداد كرامة وسيادة وغيرها.