تيمناً بوجود مئات الجمعيات الطوعية، فقد رأينا تكوين جمعية طوعية لإزالة الأمية الكروية لشعورنا العميق أن الأمية الكروية قد استفحلت في هذا المجتمع، وإليها تعزى هزائمنا المتكررة الساحقة الماحقة، وخلافاتنا التي لم نجن من ورائها شيئاً. وشرحنا فكرتنا لمسجل الجمعيات الطوعية، وإننا نملك العدد الكافي من الأعضاء والعزيمة التي لن تلين. وقد أقنعنا المسجل أننا سنبدأ العمل بمناطق النازحين، وأننا إذا استطعنا أن نزيل أميتهم الكروية فإن ذلك سيعود علينا وعليهم بالخير واليمن والبركات تماماً مثل العيد السعيد. وأنهم سيقبلون على قراءة الصحف الرياضية الأمر الذي سينعش حركة القراءة خاصة والسودان يقترب كل يوم من «كأس العالم» يابختنا. وشددنا الرحال إلى أول قرية للنازحين. وسألنا صبياً يتسربل بأمية كروية هائلة، إذ أنه أول صبي قابلنا ولم يكن يشوت بقدمه علبة فارغة أو قارورة ماء بلاستيكية أو حتى كيس بلاستيك، فتحسرنا في قرارة أنفسنا فربما يرقد داخل تلك السرابيل لاعب في براعة بيليه أو جارنيشيا أو رونالدو وكلهم قد خرجوا من وسط تلك الحواري والأزقة. قلت له: يا ولد.. وين أهلك؟ أهلي منو؟ أهلك.. أهلك. يعني نحنا كنا عارفين هم منو؟ أجاب بعد أن تفرس فينا ملياً: أهلي؟ أنا ما عندي أهل.. ما عندك أهل كيف؟ في زول ما عندو أهل؟ أيوا.. أنا كان عندي أهل كان إنتو لقيتوني هنا؟ وأسقط في يدنا. ووجهنا له سؤالاً آخر: طيب منو المسؤول هنا؟ شيخ ولا عمدة ولا لجنة شعبية؟ ولا أي زول نقدر نقابلو؟ أجاب: إنتو غايتو أمشوا الحلة جوة، وأسألوا من واحد بقولولو «خدر». شكراً. وذهبنا لنبحث أولاً عن خدر الذي يبدو عليه أنه كبير القوم. خدر ذلك كان يرقد تحت سقف راكوبة مغطاة بأعشاب وجريد نخل. ومن هيئته يمكن أن نطلق عليه لقب سيد خدر. إنت سيد خدر؟ نعم .. بالحيل. حبابكم إدلوا.. وتدلينا من اللاندكروزر الذي حبتنا به منظمة عالمية وعليه شعار الجمعية الطوعية لإزالة الأمية الكروية. وبعد أن أكرمنا سيد خدر وحلف أن نشرب من ماء كان داخل سعن معلق من سقف الراكوبة. ومن البداية شعرنا إننا سنقع في سوء فهم بقرية النازحين، ونحن نشرح للسيد خدر هدفنا من زيارة قريتهم لإزالة الأمية الكروية. وكان لا بد من إزالة سوء الفهم قبل إزالة الأمية الكروية فقلت له: شوف يا شيخ: فقاطعني قائلاً: أقيف.. قبال تتكلم.. هسع أنا ما كنت سيد خدر كيف بقيت يا شيخ؟ أجبت وأنا أطيب خاطره: معليش ما هو إنت سيد القوم وشيخهم وكبيرهم وما في حاجة لو قلنا ليك يا شيخ. أيوا.. قول كدي.. أها داير تقول شنو؟ إنت قبال كدي دحين شفت الكورة؟ الكورة ياتا؟ الكورة البلعبوا بيها الأولاد؟ التيوة يعني؟ أيوا.. خلنا نقول التيوة. التيوة ما لها؟ أهو التيوة دي نحنا بنسميها الكورة.. وإنت إذا عرفت الحكاية دي نكون نحنا قطعنا أول شوط في إزالة الأمية الكروية. سمح كمل كلامك. نحنا شايفين هنا ما عندكم أتيام. ما عندنا شنو؟ أتيام.. يعني فرق.. كل ناس عندهم فريق.. هز رأسه مستغرباً: إت وكت جاي علينا جاي.. ما لا قاك الفريق القدامي الشيخو ود أب نايب؟ أنا ما بقصد فريق زي دا.. أنا بقصد فريق كورة. يعني فريق بلعب كورة. بلعب كورة وين؟ بلعب عندكم هنا. أيا ما عندنا. أيوا.. دلوقت نحنا قربنا نصل. تصلوا وين؟ نصل للغرض الجينا عشانو. سمح ما تقول كدي.. وهسع غرضكم لقيتوه عندنا؟ أيوا.. لقيناهو عندكم. ودايرين تزيلوهو؟ وأمد حبلاً من الصبر في هذا الحوار إذ أن المهمة التي ظننت أنها سهلة، أخذت تنحو نحو تعقيد لم يكن في الحسبان. وإذا كان السيد خدر هو كبير هؤلاء فكيف يكون هؤلاء؟ فقلت: شفت يا عم خدر.. نحنا قلنا إنتو ما عندكم فريق لكرة القدم، وكرة القدم هسع بقت مهمة لأنها رياضة شعبية.. ووقاطعني قائلاً: يعني زي اللجنة الشعبية؟ غايتو إن بقت زي اللجنة الشعبية أخير تزيلوها لأنها التكتح ما سوتها لينا. لا يا عم خدر.. هي ما زي اللجنة الشعبية.. أنا بقول ليك لعبة شعبية، يعني بتهم كل الناس.. يعني إنت يكون عندك فريقك البتشجعو وجارك عندو فريقو البشجعو. أشجعو فوق شنو؟ تشجعو عشان يلعب كويس ويغلب.. يغلب منو؟ يغلب فريق جارك مثلاً.. يغلب فريق جاري؟.. وأنا أشجعو؟.. دا ما عندكم عيب؟ العيب فيهو شنو؟ جارك بتاكلوا سوا وتشربوا سوا ومتطبقين في الخير والشر.. تجي تشجع ناس تانيين عشان يغلبوه؟ الكلام دا هسع راكب عدلو؟ أنا كلامي إن بقى دا الغرض الجيتولو أخير تقوموا من دربكم دا قبال ما يقع بطال.. والتفت أستجير بأعضاء اللجنة الذين جاءوا معي.. لعل فيهم من يملك من البيان والشرح ما يجعل غرضنا مفهوماً ولكنهم كلهم كانوا مستغرقين في نوبات من الضحك. فإذا بالرجل ينهض وهو يقول: هسع الأفندية المعاك ديل البضحكهم شنو؟ لا ديل سيبك منهم.. بس أديني فرصة أشرح ليك.. ولا أقول ليك إنت بس نادي لي جماعة من ناسكم هنا وأنا بشرح ليكم. قلت هذا الكلام وأنا مصمم أن أزيل الأمية الكروية التي نذرت لها جمعيتنا نفسها، وجعلت ذلك هدفاً سامياً تسعى لتحقيقه.