عندما سألتُ الأمين السياسي لحركة الطلاب الإسلاميين الجناح السياسي لطلاب المؤتمر الوطني، النعمان عبد الحليم عن توقعاتهم للتظاهرات الطلابية التي اندلعت على خلفية مقتل أربعة من طلاب جامعة الجزيرة، لم يخف المصدر تخوفه من امتداد تأثيراته إلى جامعات الخرطوم، وتوقع أن تستمر الاحتجاجات الطلابية لعدة أيام قبل أن تنتهي. وهو المنطق الذي ذهب إليه الأمين العام للاتحاد العام لطلاب السودانيين في حديث معي، أن التنظيمات السياسية المعارضة للحكومة تحاول نقل التظاهرات من جامعة الجزيرة إلى جامعات الخرطوم. لقد شهدت الأيام الماضية اندلاع أعمال عنف كبيرة بين الشرطة والطلاب خاصة بجامعة الخرطوم، حيث شهدت المواجهات اعتقال العشرات من الطلاب المحتجين، وتكررت نفس المواجهات بين الشرطة والطلاب في جامعة النيلين، حيث هاجم طلاب من حركة تحرير السودان الجناح الطلابي لحركة عبد الواحد، هاجموا احتفال للطلاب الإسلاميين بمناسبة استقبال الطلاب الجدد، وتدخلت الشرطة وقامت بتفريق المتظاهرين، ولم تنته التظاهرات إلى هذا الوضع، فقد شهدت أمدرمان تظاهرات شرسة بمقر الجامعة الإسلامية أسفر عن إصابة «100» شخص، ورغم المعالجات السياسية والإدارية للدولة لاحتواء الأحداث بجامعة الجزيرة، إلا أن القضية أخذت أبعاداً كبيرة، وذلك بتبني جهات غير طلابية للتظاهرات، وهذا ما دفع نائب الأمين العام لطلاب المؤتمر الوطني، الفاتح حسن المهدي في حديث معي، أن يكيل الاتهامات إلى التنظيمات السياسية المعارضة لهم، ووصفها بأنها خارجة عن القانون، تحمل السلاح وتمارس الإرهاب في الوسط الطلابي، وتستخدم وسائل ترهيب الطلاب من سواطير وسكاكين لتهديد الطلاب. واعتبر ذلك سلوكاً مرفوضاً، وقال إن المعارضة تدفع الطلاب إلى ساحات المعارك. وأضاف أن أسوأ ما في ذلك، الاحتماء بالأجنبي، واللجوء إلى لجان حقوق الإنسان والأمم المتحدة للزج بالسودان. وأشار إلى وجود أيادٍ خفية تمارس الفتنة وإشعال النيران. ولكن رئيس الاتحاد العام لطلاب ولاية الخرطوم المهندس خالد أبو سن، ذهب إلى اتهام الجبهة الشعبية المتحدة الجناح الطلابي لحركة عبد الواحد، وطلاب المؤتمر الشعبي بأنهم وراء استغلال قضية مقتل طلاب جامعة الجزيرة لتأجيج الشارع. وأشار إلى أن وقوع العنف بين الطلاب كان بسبب اختطاف أربعة من طلاب المؤتمر الوطني من مناطق سكنهم من قبل طلاب حركة عبد الواحد. ويبدو أن التظاهرات الطلابية في حد ذاتها أخذت أبعاداً خطيرة، وصفت بأنها صورة تفوق مخيلة الطلاب في التدبير السياسي والتكتيكي، وذلك بالخروج عن النمط التقليدي المتعارف عليه في التظاهرات، إلى نمط أشبه بحرب العصابات، وإدارة الصراع. وكشف لي مصدر طلابي، أن طلاب الحركات المسلحة خاصة جناح عبد الواحد كانوا يستخدمون اللهجات المحلية في الاجتماعات التنسيقية والتنظيمية خشية الاختراق أو الكشف. مؤكداً أن اللهجات انحصرت في لغة قبيلة واحدة حتى لا يفهم من هم خارج القبيلة عما يدور. ورأى أن العمليات اتخذت شكل إدارة الصراع من خلال تحريك مجموعات من جامعة لأخرى لإثارة الطلاب. وأكد أن الهدف من كل ذلك، إغلاق الجامعات أولاً، ثم تنفيذ الخطة الثانية وهي إخراج الشارع العام لتغيير النظام، بعد إيهامه بعدم قدرة الحكومة على حماية الطلاب، وكذا الأمر ما وصل إليه الأمين السياسي لطلاب المؤتمر الوطني النعمان الذي قال إن هدف التنظيمات إغلاق الجامعات، وهو الأمر الذي لن نسمح به، وكشف أن هناك مخططاً لحركة عبد الواحد والمؤتمر الشعبي يتم انفاذه عبر منسوبيهما من الطلاب لإسقاط النظام. وأشار الى تحركات مريبة لنقل الطلاب وبعض الكوادر من جامعة إلى أخرى في إطار ما يُسمى إدارة الصراع، لإشعال ثورة الطلاب، وقطع بعدم السماح بتكرار سيناريو جامعة الجزيرة بالخرطوم. وكان الأمين العام للاتحاد العام للطلاب السودانيين محمد عبد الله إسماعيل، قد أشار إلى جملة من التحديات التي تواجه واقع الطلاب. وأكد أنهم مع حقوق الطلاب مهما كانت، ولكنهم ضد العنف. وأعلن عن ترحيبهم بالحوار الطلابي مع كل القوى السياسية، بما فيها التي تناصبهم العداء وتقود التظاهرات، ولكن يبدو أن الصوت الطلابي للوطني لم يجد أذناً صاغية، وأصرت التنظيمات على قيادة حركة الاحتجاجات، وتطورت إلى اختطاف طلاب لمساومة الحكومة لفك أسر منسوبيهم المحتجزين لديها، والتهديد بمواصلة ذلك. وذكر لي أحد الطلاب الذين أصيبوا جراء العنف الطلابي بجامعة أمدرمان الإسلامية عبر الهاتف ويدعى أحمد«م» في السنة الثانية، أنه لا ينتمي لأي تنظيم سياسي، ولكنه فوجيء بمجموعات تندفع إلى الداخلية وتهددهم بالأسلحة البيضاء وتندد بهم. وقال إنهم لم يجدوا مفراً سوى الهرب. وأكد استنكاره لسلوك الطلاب. وقال هذا لا يشبههم. أما الآخر وهو من أبناء دارفور رفض كتابة اسمه، أضاف أنهم جاءوا طلباً للعلم، وليس طلباً للعنف. وقال نحن لسنا«بلطجية». وأشار في حديثه إلى أن التنظيمات المعارضة كانت تختار المنتمين إلى ولايات دارفور فقط لاستخدامهم في التظاهرات. وقال إنه رفض ذلك، بيد أنه طالب بالتحقيق في أحداث جامعة الجزيرة. وفي هذه الأجواء الملبدة بغيوم الاحتجاجات الطلابية، نفذت أحزاب المعارضة وقفة احتجاجية غاب عنها المهدي رئيس حزب الأمة القومي، والأمين العام للمؤتمر الشعبي د. الترابي، وذلك في منحى ذي صلة بالموضوع، وأعلنوا أنهم بصدد تنفيذ وقفة أخرى بجامعة الخرطوم بسبب أحداث جامعة الجزيرة، فيما اتهم بدوره المؤتمر الوطني تلك القوى، بالتدبير والتخطيط لإسقاط النظام. وقال إن المعارضة تصطاد في الماء العكر باستغلال قضايا الطلاب، إذاً، هل تستطيع المعارضة أن تحقق مآربها من خلال استخدام قضية مقتل طلاب الجزيرة، أم تلتفت إلى دعوة المبعوث الأمريكي ليمان، بتشكيل منبر قومي لها أولاً. هذا ما ستكشفه الأيام.