لكل منا همومه التي تؤرق مضجعه حين تتراكم عليه فمنا من له صديق أو قريب يشكو ويبث له همه حتى يرتاح نفسياً ويتوصل لحل للتخلص من همومه وهنالك من يلجأ للكتابة في دفتر مذكراته لتفريغ ما بداخله ومنا من لا يثق في أحد على الإطلاق خوفاً من أن تتسرب همومه ومشكلاته للناس مطبقاً المقولة «لا تشكو للناس هماً أنت صاحبه، فلمن تشكو همك»؟ وهل شكوى الهموم له فائدة تعود على الإنسان من ناحية نفسية، حول شكوى الهموم استطلعنا عددًا من الآراء واستعنا برأي الطب النفسي. الاستعانة بصديق الأستاذ مبارك الهادي «معلم» يرى ان لكل شخص همومه ومشكلاته ولكن الاختلاف يكمن في اسلوب المعالجة ومنه اللجوء الى الصلاة والدعاء لتفريج الهموم او الاستعانة بأخ أو صديق تشعر معه بالأمان والثقة وهي احدى ضرورات البوح بمكنونات الدواخل في زمن انعدمت فيه الثقة واصبحت عملة نادرة وهنالك مقولة «رب اخ لك لم تلده امك»، والدنيا لا تزال بخير برغم الجروح العميقه التي يسببها الاصدقاء لبعضهم خاصة في ظاهرة البوح بأسرار الغير، وعن نفسي لا احب ان اشكو همومي لأن الأمر مجرد فضفضة لا غير لذلك أفضل الاحتفاظ بمشكلاتي لدراستها ومعالجتها بتأنٍ وشفافية. وتخالفه في الرأي سوسن الصديق «طالبة» حيث قالت امي وصديقتي هما اقرب شخصين الى قلبي لذلك لا اتردد في بث همومي لهما فصديقتي مثلاً تقاربني في العمر والتفكير وتفهمني لأنها من بنات جيلي عكس والدتي التي اشعر بها احيانًا تعاملني بصرامة، فتجدني احاول الموازنة فيما بينهما، ففي الموضوعات العاطفية تكون صديقتي الملجأ، أما في القضايا التي تحتاج الى الخبرة فوالدتي سيدة الموقف دون شك وبرغم وجود حالات الغدر والخيانة بين الأصدقاء الا ان الدنيا لا تزال بخير. أبث همي لدفتر مذكراتي وتعتقد سهام السيد «طالبة» ان دفتر مذكراتها هو صديقها الذي يسمعها في صمت، وتقول: في زمن انقلبت فيه الموازين اجد نفسي اسطر ما بداخلي دون حياء او خوف وفي ذاكرتي احدى صديقاتي التي كنت انظر لها من المقربات جدًا الى نفسي والعين التي أرى بها أخطائي تنشر غسيلي بلغة هذا العصر، فكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير فأصبحت لا اثق في أي شخص مهما تعاملت معه. لا أثق في أحد! الضي الهادي «موظف» يرى ان الصلاة يجب ان تكون ملاذ كل مهموم وصاحب مشكلة، فالشرع حدد العلاج دون الرجوع للبشر ولكن معشر النساء معروف عنهن كثرة الثرثرة في امور الغير والشخص الواعي لا يعطي سره او همه لامرأة او حتى لرجل ويجب ان يستخدم عقله في حل كل اموره ويتعود على ذلك، وعن نفسي لا ابوح بهمومي لغيري مهما استعصت عليَّ المشكلات لذلك كنت اسمع دومًا وسط أهلي وأصدقائي يقولون عني «بطني غريقة» وهذا مفهوم خاطئ. تفريغ الهموم صحة نفسية وجسدية ويقول التجاني محمود «موظف» ان دراسة أثبتت أن يكون لك صديق مقرب إليك فهذا يعني أنك تتمتع بصحة نفسية وجسدية جيدة وفقاً لهذه الدراسة فإن وجود صديق مقرب لك وقت الضيق يعني أن جسمك يتفاعل بشكل أفضل مع الضغوط النفسية التي قد تتعرض لها في الأزمات فهناك امور نضيق بها وتضيق بنا وعندها فقط تدرك مدى حاجتك لمن يقف الى قربك لتفرغ له همومك ومشكلاتك باطمئنان ومع كل ذلك يجب ان يبحث كل شخص عن التوازن في البوح بمشكلاته. ضل الدليب! يوضح د. ياسر محمد موسى «اختصاصي نفسي»: من الطبيعي ان يشكو الشخص همه لأقرب الأقربين اليه ودائماً ما يكون الأم أو الأب أو الأخ أو الأخت، هذه هي الحالة الطبيعية والتي تتنافى وخصائص الشخصية السودانية حيث ان الشخصية السودانية تتوافر ميولها العاطفية تجاه الأصدقاء والغرباء حتى صار المثل الشعبي «ضل الدليب يرمي لي غادي» هو الذي يعبر عن الحالة، هذه الميول من وجهة النظر النفسية الاجتماعية أسبابها تتلخص في ضعف التواصل اللفظي والجسدي الحميم الذي يؤدي الى الإحساس بالأمان في تبادل الأسرار والهموم أيضاً تغيير نمط الحياة في الأسرة والذي غيّر في عادات تناول الطعام في الأسرة فصارت المائدة التي تجمع الأسرة في طي النسيان، أيضاً ضعف التواصل بين أرباب الأسرة وهما الزوجان ينعكس هذا الضعف مباشرة بين الأبناء فهم لا يرون كلمات لطيفة متبادلة ولا تواصلاً رقيقاً بين والديهم ولا قدرة على التعبير عن المشاعر لذلك لا ينشأ الأبناء وبذات النهج اذ أن الحالة العامة وسط الشباب من الجنسين هو أن تثق في صديقك، فنجد البنت تبوح بأسرارها لصديقتها وكل ما تكنّه مشاعرها من خصوصية لصديقتها فقط ولا تثق في شقيقتها أو شقيقها، وهذا الأمر له أضراره المتعلقة بالحماية أحياناً، فنجد أن حالات تعرض البنت للتحرش في الشارع أو مكان الدراسة أو العمل هو سرها وحدها وفي المرتبة الثانية معها صديقتها مما يضطرها لمواجهة مشكلاتها بمفردها وهذا ما تظهره الحاجة للارشاد النفسي والمعالجة النفسية في حالات الاكتئاب والإحساس بالوحدة تعكس هذه الحالة أيضاً على الشاب فنجده هو الأقرب لأصدقائه وثلته ولا يجمعه مع اخوته وأشقائه الا النوم وتفاصيل الحياة المنزلية الخاوية من المشاعر التي تلعب فيها شكوى الهموم والبوح بالأسرار أهم عناصر التقارب. فائدة البوح ويضيف د. ياسر: البوح هو واحدة من أهم أدوات التفريغ النفسي فهو يُحدث راحة نفسية ويقوِّي المشاركة الوجدانية مع الآخر لدرجة أن البوح يُعتبر واحدة من أدوات العلاج النفسي الفعّالة ويسمى «التداعي الحر»، والراحة التي يُحدثها عند المريض دائماً ما تجعل المريض يتوهم حبه وتعلقه بطبيبه، لذلك كتمان الأسرار أو الهموم وعدم البوح بها يعمق الإحساس بالوحدة ويجعل الفرد مثقلاً بالهموم ومرهقاً نفسياً لذلك ننصح دائماً أن نبدأ بالتدريب على إشراك أقرب الناس إلينا في تفاصيل حياتنا البسيطة لأن هذا يجلي النفس وينقيها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.