من مبادئ الحرب المؤثرة تأثيراً مباشراً في مسيرة المعركة ومراحل القتال المختلفة مبدأ الروح المعنوية ومستواها لدى المقاتلين.. ومبدأ الروح المعنوية يجد اهتمامًا كبيرًا ومباشرًا لدى القائد الذي يسعى دائماً لجعل مستوى الروح المعنوية لدى جنوده في كل المستويات مرتفعًا وثابتًا ولا يبخل بكل ما يساعد على رفع الروح المعنوية لدى جنوده وضباطه ووحداته.. وارتفاع الروح المعنوية لدى القوات المقاتلة له فعل السحر في كسب المعركة والانتصار على الخصم، وكلما ظهر لأفراد العدو أن الروح المعنوية لدى خصومهم تتفوق على الروح المعنوية لديهم أدى ذلك لتسريع انخفاض مقياس الروح المعنوية بينهم. لقد أكرمني الله سبحانه وتعالى بعد توجيه مباشر من القائد العام أن أكون قائدًا لواحدة من أعظم قياداتنا العسكرية تاريخاً وبطولات ومسيرة لقادة وجنود يشهد لهم التاريخ العسكري القديم والحديث بالشجاعة والإقدام.. عُيِّنت في منتصف التسعينيات لقيادة الهجانة وهي كانت في حالة انفتاح ميداني واسعة مسارحه القتالية. كانت جميع مناطق جنوب كردفان ملتهبة عملياتياً بتمرد ترعاه الحركة الشعبية ومناطق ولاية الوحدة بكاملها بها لواء كامل لكن الهجانة وعدد من كتائب الهجانة تشارك في العمليات بالاستوائية. ما أُتيحت لي فرصة لزيارة أو تفقد واحدة من وحدات الهجانة في مناطق العمليات إلا ووجدت الروح المعنوية لدى تلك القوات في مستوى يجعلني أقف عنده متسائلاً، ما هو السبب؟؟ والمعروف لدى العلم العسكري أن ارتفاع وانخفاض الروح المعنوية تشارك فيه عوامل متعددة قد يكون لعامل أثر أكبر من العوامل الأخرى ولكن لا نستطيع أن نقول الشيء الفلاني والعامل كذا هو السبب الرئيس في رفع الروح المعنوية. ولكن يمكن أن نقول إن العامل الفلاني أو السبب كذا له أثر كبير في رفع الروح المعنوية. وارتفاع الروح المعنوية لدى جنود وضباط ووحدات الهجانة نتج عن عدد كبير من العوامل وجدت بينها عاملاً أو سببًا يشترك فيه جميع أفراد الوحدة وضباطها خاصة عندما يكونون في مناطق مسؤولياتهم في حالة استقرار بعيدًا من العمليات السيالة. وجدت أن برنامج ساحات الفداء يتفق عليه الجميع ويلتف حوله الجميع وينتظر ساعة بثِّه في حماس كل فرد من أفراد الوحدة غير المرتبط بحراسة أو عمل ميداني وحتى هؤلاء قد يسترقون السمع إن كان ذلك ممكنًا. ما هو السر في هذا البرنامج «ساحات الفداء» هل الساحات هي التي تشد المقاتلين إليه؟؟ أم أن عنصر الفداء فيه يثير كوامن الشجاعة والإقدام والحماسة لدى المقاتل؟ وإذا كان هذا ما يتعلق بالمقاتلين فما سر تأثيره على عامة الناس الذين ليس لهم ارتباط مباشر بالقتال وساحته؟ ما دقت ساعة برنامج ساحات الفداء إلا وكانت كل الأبيض ملتفة حول أجهزة التلفزيون ونفس الشيء تجده في العاصمة وكل أنحاء السودان. إذاً التأثير المعنوي لبرنامج ساحات الفداء لم يكن في المقاتلين فقط بل له تأثير ممتد في قطاع كبير من الشعب السوداني بل أبعد من ذلك فقد خرج تأثيره خارج حدود الوطن وقصته نحكيها: في زيارة لنا مع الأكاديمية العسكرية للشقيقة القوات المسلحة السعودية المنطقة الغربية عدد من الإخوة هناك يعلقون على برنامج ساحات الفداء واهتمامهم بمشاهدته والبعض يطلق على تلفزيون السودان في ذلك الوقت «الفضائية العسكرية السودانية». لم التقِ بصاحب ساحات الفداء في ذلك الوقت ولم أكن أعرفه إلا بعد أن التقيته كاتبًا في الصحف في السنين الأخيرة وأحسب أن له قلمًا صادقًا كما كان برنامجه صادقًا ومؤثرًا. اليوم كثير من القراء ومن قدامى المحاربين ورفقاء السلاح وكثير من قراء الصحيفة في الخارج يسألون عن صاحب ساحات الفداء ويسألون عن أسباب احتجاب عموده. ونحن بدورنا نسأل ألم يحن الوقت لعودة عمود هذا الكاتب الذي ينتظره الجميع؟! ألا تكفي هذه المدة الطويلة عقابًا لصاحب برنامج ساحات الفداء؟ وإذا لم يحتمل حديثَه أهلُه فمن سيحتمل؟