تقول الطرفة أن أحد المهتمين بالثقافة والتراث حاول أن يُعلم ابنته الجامعية كل ثقافة القرية وأمثال المجتمع التي تربى عليها منذ أن كان صغيراً.. وبدأ يُعلمها الأمثال الشعبية ويصر عليها أن تحفظها عن ظهر قلب. وكان من بين هذه الأمثال «الخيل تجقلب والشكر لي حمَّاد».. والمثل الآخر الذي يقول «الحسنة في المنعول زي الشراية في القندول».. وأصرَّ الرجل على ابنته أن تحفظ هذه الأمثلة، وطلب منها أن يمتحنها لمعرفة قدرتها على الاستيعاب، وطلب منها أن تكمل المثل الذي يقول «الخيل تجقلب...» والبنت بعد تعب شديد أكملت المثل قائلة «الخيل تجقلب زي الشراية في القندول».. ونقول لأولاد الخرطوم أن الجقلبة هي الجري الشديد، والشراية هي الأجزاء الصلبة من الغلاف الخارجي لحبة العيش، والقندول طبعاً هو مجموعة الحبوب المرصوصة في «الشرايات» المتلصقة بالثمرة الرئيسة. ومن المؤكد أن حكاية «الشراية في القندول» تكون بارزة وواضحة لكل أهلنا في معاملة الجنوبيين والجيش الشعبي للمجموعات الشمالية التي ظلت عالقة في الجنوب.. فعلى الرغم من الحسنات الكثيرة التي قدمناها لهم، حيث أعشناهم وكفلناهم وعلمناهم وخرَّجنا منهم المهندسين والأطباء والكوادر المتعلمة، إلا أن هذه الحسنة التي وضعناها في غير مكانها قد فعلت فينا مثلما تفعل «الشراية في القندول». وقد نقلت صحف أول أمس خبراً يقول إن الجنوبيين قد قتلوا عدداً كبيراً من أهلنا المسيرية، وقاموا بتلغيم أجزاء كبيرة من منطقة سماحة السودانية.. وسماحة فيما يبدو من اسمها مدينة سودانية «مية المية» هذا غير الجغرافيا والحدود وخطوط الطول وخطوط العرض.. ولا يمكن أن تشتمل لغة الدينكا على كلمة «سماحة» لا من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى، لأن السماحة في «الشرق» وهؤلاء القوم في «الغرب».. وهذه المنطقة «سماحة» كان في ما مضى اسمها «سفاهة».. وحتى هذه الأخيرة كلمة سودانية لفظاً ومعنى واشتقاقاً، ويستحيل أن تكون كلمة دينكاوية.. ولم يتوقف فعل الجنوبيين الرديء عند حد القتل وزرع الألغام، بل تجاوزه إلى قطع الأشجار وترك مساحاتٍ فارغة بأطوال بعيدة حتى إذا تحرك بعض الرعاة الذين لا يعرفون الحدود والجوازات والباسبورتات، وجدوهم في مناطق سهلية وضربوهم بالأسلحة الثقيلة مستعملين الراجمات والدبابات والدوشكا كأصغر وأخف سلاح.. وهنا تتجسد صورة الشراية في القندول التي عندما تقع في العين تجعلها تدمع وتتأذى. وسبق أن ذكرنا في غير هذا المكان، أن علينا حكومة وشعباً في السودان، أن نعي تماماً أننا أمام مجموعات من الناس لا تعرف كيف تتعامل، وليست لديها أية ضوابط أخلاقية أو دينية تجعلها تفكر بصورة سوية.. وهؤلاء الناس لا توجد في لغتهم كلمة «شكراً» كما ذكرنا نقلاً عن الأستاذ الأمريكي، وقلنا إن هذا الأمر يوجب اليقظة والحذر والتربص تجاه كل فعلٍ يأتي منهم.. ثم إننا قد اقترحنا أن نقيم حاجزاً أو سوراً يتم بناؤه في الحدود بين السودان ودولة الجنوب، مثلما قام الصينيون قبل مئات السنين ببناء سور الصين العظيم لأغراض الأمن والحرب، ومن بعد ذلك صار أحد المعالم السياحية.. ولن يكون مستحيلاً على أهلنا في طول الحدود الجنوبية أن يقيموا مثل هذا السور بارتفاع عشرة أمتار وطول ألف وخمسمائة كيلومتر.. وتشترك فيه كل مكونات الشعب من نساء ورجال وأطفال، وتشترك في إقامته الولايات والمدن وأبناء السودان بالداخل والخارج وأصدقاؤنا من المسلمين والعرب ومن يهمه أمن السودان واستقراره.. وهذا بدوره سوف ينعش حركة البناء والتشييد وموادها، إضافة إلى قيام مشروع موازٍ للسور العظيم من ناحية السودان يعني بالسدود وحصاد المياه وإقامة الخزانات وحفر الآبار وتشييد الحفائر من المياه المتوفرة. وعلى كل حال يظل الأمر مرفوعاً باعتباره اقتراحاً تدرسه الجهات المعنية بالسدود والمياه والري والصندوق القومي للتعمير والإسكان والولايات المتاخمة لدولة الجنوب «بتاعة الشراية في القندول».. وبمناسبة الأمثال «البلدية» نشير إلى الأمثلة الغبية التي ظل يتحفنا بها دكتور نافع من حين لآخر حسب الموقف والظرف والمناسبة، ونذكر له ما قاله حول «لحس الكوع» ومثل «الفتر يبرك» أيام الانتخابات، وأخيراً «العين الحمراء».. وهنا نقول إنه يكفينا كل العبث الذي لقيناه وسنلقاه من الحركة الجنوبية، ونرى أنه قد آن الأوان لممارسة «العين الحمراء».. ومن المؤكد أن المعارضة ليست وحدها التي تحتاج إلى أن ترى العين الحمراء، ولكن الحركة الشعبية والجنوبيين عموماً يحتاجون إلى رؤية جزء من العين الحمراء، وإلاَّ فإننا سنظل نكرر أن «الحسنة في المنعول زي الشراية في القندول». كسرة: أخي المواطن دلِّلْ على وعيك الأمني وراقب حركة الأجانب، وبلغ عن أي تصرف غير سليم أو مشكوك فيه، أو أية حركة غير منضبطة، ودع الجهات الأمنية تقوم بواجبها، وعليك عدم التستر على الأجانب أو إيوائهم، أو تأجير دارك للأجنبي إلا بعد إبلاغ الجهات المسؤولة، وعدم تشغيل الأجنبي أو الأجنبيات إلا إذا كانت لديهم أوراق ثبوتية، وعليك الانتباه ومعرفة أن كل جنوبي أجنبي، وبالطبع ليس كل أجنبي جنوبياً.