أتاحت لي فرصة وجودي في ألمانيا وهولندا، قراءة كتاب مهم صدر قبل عامين أهدانيه نسختين إلكترونيتين منه، الأخوان الكريمان كرم الدين حسب الله زكريا المستشار بسفارتنا هناك، وخالد موسى دفع الله الوزير المفوَّض ونائب رئيس البعثة الدبلوماسية السودانية ببرلين، ولكم كانت فرصة ثمينة للاطّلاع على الطريقة التي يتم بها وضع السياسات ورسم الخطط من مراكز بحثية غربية ودوائر مختلفة لإنتاج الأزمات وإثارة النزاعات الحدودية في إفريقيا وخاصة بين السودان ودولة جنوب السودان. الكتاب هو «جيب كفيا كنجي البشر والسياسة والتاريخ في محور الحدود الشماليةالجنوبية لغرب السودان» The Kafia Kingi Enclave People, politics and history in the northsouth boundary zone of western Sudan مؤلف الكتاب إدوارد توماس (Edward Thomas) عمل معلماً وباحثًا وضابطًا لحقوق الإنسان في بعثة الأممالمتحدة السابقة في السودان «يوناميس» التي خولت عملها اتفاقية السلام الشامل الموقَّعة في نيفاشا في «2005م»، ثم مديرًا لبرنامج السودان في معهد الإخدود العظيم (Rift Valley Institute (RVI) ( في مقرَّيه بلندن ونيروبي.. وهو بلا شك شديد الصلة بالمراكز التي ترفد مؤسسات القرار السياسي والإستراتيجي بالدراسات والبحوث والمعلومات وتسخِّر العمل الأكاديمي لخدمة الأهداف المرسومة والموجَّهة في هذه المنطقة من العالم وكل مكان.. تكمن خطورة هذا الكتاب، في أنه يؤسِّس وعبر غطاء أكاديمي في ظاهره، لفكرة تقوم على أن النزاعات الحدودية المحتملة «صدر الكتاب قبل انفصال الجنوب» وهي بالضرورة ستكون حدودًا دولية يوجد ما يبرِّر مطالبة دولة الجنوب بها وفق المعلومات والخرائط التي وردت في الكتاب وبعض الشهادات السماعيَّة والروايات الشفهيَّة التي استقاها الكاتب ومن مصادر أخرى مشكوك في الكثير منها.. يقع الكتاب في حوالى «151» صفحة من القطع المتوسط، يشتمل على أبواب خصصها الكاتب للحدود الايكولوجية لكفيا كنجي أو«قنجي» والحدود بين الدولتين والكيانات التي ليست دولاً في دارفور وبحر الغزال في القرنين الثامن والتاسع عشر ومجتمع الجيب من الفرتيت وبقية المجتمعات الأخرى في غرب بحر الغزال، والسياسة الجنوبية لعام «1930» ورسم الحدود الثقافية الدينية ورسم المعالم والحدود السياسية واقتصاديات الحدود والمعنى الاجتماعي للطرق «1930 2010م» وبحر الغزال ودارفور في حرب السودان الأهلية الأولى واتفاقية السلام، والحرب الأهلية في جنوب السودان «1983 2005»، الحرب الأهلية في أراضي حدود جنوب دارفور، خلاصة جيب كفيا كنجي عشية الاستفتاء، ثم التوصيات والمراجع والمسرد وقائمة الخرائط.. لهذا النوع من الكتب في منهجه، امتدادات تاريخية من كتب الرحالة الغربيين خلال الثلاثة قرون الماضية «الثامن والتاسع عشر والعشرين» التي غطت كل مناطق السودان تقريباً ومنابع وروافد النيل، استهدت بها السلطات الاستعمارية في السابق وبنت عليها سياساتها، وتعمل جهات ودوائر عديدة في الغرب والحكومات في توجيه مسارات التعامل مع قضايا النزاعات والتسويات السياسية والتفاهمات وفرض الحلول بين السودان ودولة جنوب السودان.. حاول إدوارد توماس في كتابه الذي هو جهد علمي غير بعيد البتة عن الغرض السياسي، الحديث صراحة بأن جيب كفيا كنجي هو جيب جنوبي ظل في «1/1/1956» ضمن حدود بحر الغزال، وضُم لدارفور في «1960م»، ويسلتزم تطبيق اتفاقية السلام الشامل بشأنه وقد تم اعتماد حدود «1/1/1956» هي الحدود المعترف بها بين شمال السودان وجنوبه، أي هي الحدود الدولية نفسها التي تم الاعتراف بدولة الجنوب على أساسها.. ويطالب بشدة كاتب الكتاب بإعادة الجيب هذا لغرب بحر الغزال ودولة الجنوب! لكن الغرض ليس السكان وهم جزء مما ورد في الكتاب، فالجيب الذي تبلغ مساحته «12,500» كيلومتر مربع، يقع في الجزء الجنوبي الغربي من دارفور في الحدود مع إفريقيا الوسطى ودولة الجنوب، هو من أغنى مناطق السودان بالمعادن مثل النحاس وتقع فيه أقدم منطقة لتعدين النحاس في حفرة النحاس وفيه اليورانيوم والماس والذهب والبترول، فإذا عُرف السبب بطل العجب!! والسبب السياسي هو وجود مقتطف من حديث للمتمرد ياسر عرمان في غلاف الكتاب الأخير حول سكان كفيا كنجي وإسلامهم الخاص كما قال!!! فللكتاب والكاتب علاقة بالحركة الشعبية وقطاع الشمال! تحت رماد هذا الكتاب وميض نار سيكون لها ضرام، ولم يؤخذ جيب كفيا كنجي إلا ليكون نموذجاً لجيوب أخرى، قد تكون هناك كتب قادمة عن «14» ميل وأبيي وكاكا التجارية وجودة دبة الفخار وهجليج وهلمجرا..