كثر من يدّعي الانتساب إلى «السّلفيّة» دون أن يتحقّق بأصول ومبادئ الدعوة السلفية، والتبس الأمر على كثيرين فاختلطت الحقائق لديهم، حتى أصبح «البعض» يدخل في السلفية «ما» و«من» ليس منها .. فبات من الواجب التذكير ببعض أصول الدعوة السلفية .. لتوضيح الحقائق والتفريق بينها، وحتى لا يلتبس الأمر، ولأجل أن يعلم من ينتسب إلى السلفية وهو يخالف منهجها أن ما عليه مجرد «ادعاء» .. يحكم بمخالفته بما يدعيه واقعه.. ومما يفرق به بين «السلفية» و«بعض من ينتسب إليها»: أن بعض من يدّعي السلفية «يعمل» ببعض النصوص الشرعية في جوانب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد وردت في الأمر به والحث عليه نصوص شرعية كثيرة .. و«يترك» العمل بنصوص شرعية أخرى وردت في الموقف من الحاكم وأوجبت السمع والطاعة وإن ظلم وأخطأ وأساء ... والشرع هو الآمر فيها جميعاً، فأقول: ليس هذا من السلفية في شيء... فالسلفية دعوة «شمولية» تعمل بكل ما ورد في الشرع وتحتكم إليه .. وهو ما كان عليه السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين .. ولمزيد من التفصيل في هذا الأمر أقول : إن الدعوة السلفية هي الدعوة التي تستند في «كل» قضاياها ومواقفها إلى نصوص الكتاب والسنة وتفهم هذه النصوص بفهم السلف الصالح رضي الله عنهم ورحمهم، فإن كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام هما مصدرا التشريع لهذه الشريعة الكاملة الشاملة التي ختم الله بها الشرائع، قال الله تعالى: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى»، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «تَرَكْتُ فِيكُمْ شيئين، لَنْ تَضِلُّوا بعدهما: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» رواه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني. والسلفيون يسيرون في فهمهم للنصوص الشرعية بفهم السلف الصالح وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم والتابعون وتابع التابعين رحمهم الله تعالى وهؤلاء هم أصحاب القرون «الثلاثة» المفضلة، والدعوة السلفية تسير على وفق منهج السلف الصالح في كل القضايا والمواقف، في العسر واليسر في الرخاء والشدة، مع القريب والبعيد، مع الحاكم والمحكوم وغيرهم. ومن ذلك: «موقف الدعوة السلفية من الحاكم وقضايا الحكم»، فإن الدعوة السلفية تسترشد في موقفها من الحكومة بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وتفهم النصوص الكثيرة الواردة في ذلك بفهم السلف الصالح، والذي ينظر إلى الموقف السلفي في هذه القضية المهمة من القرن الأول وحتى يومنا هذا وعلى مختلف البلدان يجد ثباتاً ووضوحاً لا يخفى على كل ذي عينين . وإن الدعوة السلفية تسترشد بالنصوص الشرعية في مواقفها من الحاكم، وليس للمصالح والمقايضات الدنيوية أو الأغراض الشخصية أو الانفعالات العاطفية أو المكايدات السياسية أو غيرها نصيب في توجيه هذه المواقف. فقد عشنا ورأينا من: يقايضون الحكومة في موقفهم منها حتى تلبي له طلباتهم، فيعلنون سياسة تعطينا لنسمع ونطيع!! وآخرون يخرجون عليها ويعلنون شق العصا بناء على عدم تحقيق بعض رغباتهم!! وقد تكون الرغبات دينية أو دنيوية .. وآخرون يعلنون الولاء أياماً ثم ينقضون ذلك الولاء بتحالفات مع آخرين!! ويتغيرون ويتلونون في مواقفهم بناء على المصالح الشخصية!! وآخرون يرون أن الصلة مع الحاكم ينبغي أن تكون على التحالفات !! وليست السمع والطاعة!. ومن الأمور الثابتة الواضحة المقررة عند السلفيين بناء على الأدلة الشرعية الكثيرة الواردة: الصبر إن حصل جور من الحاكم، وذلك بناء على النصوص الكثيرة التي وردت في ذلك، وأذكر منها: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجمعة شبراً فمات فميتة جاهلية» رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: «من كره من أميره شيئاً، فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً، فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية». وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تكرهونها». قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» رواه البخاري ومسلم. و«الأثرة» هي: الانفراد بالشيء عمن له فيه حق. وقوله «أمور تنكرونها» : يعني: من أمور الدين. وقد أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة وهي استئثار الأمراء بالأموال وإظهارهم للمخالفات الشرعية ... إلى المسلك السليم والمعاملة الحسنة التي يبرأ صاحبها من الوقوع في الإثم، وهي إعطاء الأمراء الحق الذي كتب لهم علينا، من الانقياد لهم وعدم الخروج عليهم. وقال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: «فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً، فيُعْطَى حَقَّه من الطاعة، ولا يُخْرَج عليه، ولا يُخْلَع، بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه، ودفع شره، وإصلاحه». عن سويد بن غفلة قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يا أبا أمية إني لا أدري لعلى لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أُمِّر عليك عبد حبشي مجدع، فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر ....، ولا تفارق الجماعة» أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والخلال في السنة وغيرهما بإسناد جيد. ومن المقرر عند السلفيين أن الشرع قد أوجب الصبر على جور وخطأ الحاكم لأن الخروج عليه تترتب عليه مفاسد أعظم، ومن تأمل التاريخ في القديم والحديث يجد أن أكثر مصائب المسلمين إنما هي من جراء التفريط فيما قرره الشرع في هذا الباب الخطير. قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: «وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور...». فلا خير في عاطفة لم تضبط بالعلم .. ولم تستضيء بالنصوص الشرعية وتحتكم إليها .. وتباً لمناهج تتخير في ما أمرها الله به .. فتأخذ ما يوافق أهواءها وتترك ما يخالفها .. وأسأل الله أن يهدي كل من كان حاله كما ورد في قول الله تعالى: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون». فهذه واحدة مما يفرق به بين السلفية وما عليه بعض من يدعيها من أصحاب المصطلحات التي ظهرت حديثاً.. وسأتناول في حلقات قادمة بإذن الله تعالى جوانب أخرى مما يفرق بين السلفية وبين من يدعيها..