بعث لي الأخ عمر نور ببريد إلكتروني يحوي مقالاً قديماً للعالم الدكتور مصطفى محمود رحمه الله، وطلب مني لفائدة ونفع القارئ أن أنشره، وهو من تأملات الدكتور مصطفى، لكن فيه عمقه ومقارناته ومقارباته التي عرفها عنه الناس في كتاباته، والمقال بالفعل عبارة عن مقالة قديمة لكنها تحكي واقعاً كما قال الأخ عمر نور، وننشرها هنا هروباً من ساس يسوس. الرزيقي أنت إمبراطور لا تصدقني إذا قلت لك إنك تعيش حياة أكثر بذخاً من حياة كسرى أنو شروان.. وإنك أكثر ترفاً من إمبراطور فارس وقيصر الرومان وفرعون مصر.. ولكنها الحقيقة. إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان.. وأنت عندك عربة خاصة، وتستطيع أن تركب قطاراً، وتحجز مقعداً في طائرة!! وإمبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع وقناديل الزيت.. وأنت تضيء بيتك بالكهرباء!! وقيصر الرومان كان يشرب من السقا.. ويحمل إليه الماء في القرب وأنت تشرب مياهاً مرشحة من حنفيات ويجري إليك الماء في أنابيب!! والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز.. وأنت عندك تلفزيون يسليك بمليون أراجوز. وعندك السينما سكوب والسيزاما! ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي.. وأنت تحت بيتك مطعم فرنسي، ومطعم صيني، ومطعم ألماني، ومطعم ياباني، ومحل محشي، ومحل كشري، ومسمط، ومصنع مخللات ومعلبات، ومربات وحلويات! وقارون أغنى أغنياء العالم يقول لنا التاريخ إن كل ثروته لم تكن تزيد على مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية.. وهو مبلغ تستطيع أن تكسبه الآن في شهر. ومراوح ريش النعام التي كان يروح بها العبيد على وجه الخليفة في قيظ الصيف ولهيب آب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائي!! أنت إمبراطور وكل هؤلاء الأباطرة جرابيع وهلافيت بالنسبة لك.. ولكن يبدو أننا أباطرة أغبياء جداً.. ولهذا فنحن تعساء جداً برغم النعم التي نمرح فيها. فمن عنده عربة لا يستمتع بها، وإنما ينظر في حسد لمن عنده عربتان.. ومن عنده عربتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك طائرة.. ومن عنده طائرة يكاد يموت من الحقد والغيرة لأن أوناسيس عنده مطار.. ومن عنده زوجة جميلة يتركها وينظر إلى زوجة جاره.. وفي النهاية يسرق بعضنا بعضاً، ويقتل بعضنا بعضاً حقداً وحسداً. ثم نلقي قنبلة ذرية على كل هذا الرخاء.. ونشعل النابالم في بيوتنا.. ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية.. ويحطم الطلبة الجامعات.. ويحطم العمال المصانع.. والحقد وليس العدالة هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب. ومهما تحقق الرخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضاً، لأن كل واحد لن ينظر إلى ما في يده، وإنما إلى ما في يد غيره، ولن يتساوى الناس أبداً. فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف.. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب لتمنى أن يكون له واديان، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. لقد أصبحنا أباطرة.. هذا صحيح.. ولكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات. وتقدمنا مدينةً وتأخرنا حضارةً.. وارتقى الإنسان في معيشته.. وتخلف في محبته.. أنت إمبراطور.. هذا صحيح.. ولكنك أتعس إمبراطور.. وسوف تقتل نفسك وتترك بطاقة مضحكة تقول فيها: «انتحرت بسبب الفقر.. ولم أستطع أن أعيش إمبراطوراً في عالم كله من السوبر أباطرة».