جولة قامت بها: سحر بشير سالم من داخل محل «ود الحنّان» كان لقاؤنا مع أحمد محمود أحمد، صاحب المحل، أحمد ورث العمل في هذا المجال أبًا عن جد حيث كان يعمل صائغًا لكنه تحوّل لتجارة الأحذية الجلدية والأناتيك منذ أثنين وعشرين عامًا خلت، سألناه عن حركة الشراء وكيفية تصنيع الأناتيك ومن أين يأتون بالمادة الخام كما تطرقنا للأسعار التي يقال عنها إنها أسعار باهظة.. قال أحمد في إفادته لنا: الشعب السوداني بطبيعة حاله «مجامل» ويميل لشراء الهدايا حتى ولو لم يكن يملك سوى ثمنها فقط وبعدها «الله كريم»، لا توجد مواسم بعينها للشراء لكن تنشط حركة سوق الأناتيك في الفترة ما بين شهري يوليو وسبتمبر وهي فترة إجازات المغتربين حيث يحرص المغترب على شراء هدايا سودانية خالصة من الأناتيك لأصدقائه بالمهجر، وبالنسبة لتصنيعها تتم عملية النحت بالمنزل لأن صوت الماكينة عالٍ جدًا ويقوم بهذه المهمة صنايعية محترفون يعملون على تلبية احتياجات الزبون وفق ما يحب ويهوى، وكانت المواد الخام مثل سن الفيل والأبنوس وسن القرنتي والتك والمهوقني وجلد التمساح وجلد الأصلة تأتي إلينا من جنوب السودان قبل الانفصال، أما الآن فنأتي بها من جنوب كردفان والنيل الأزرق ونأتي بجلد الورل من مدينة نيالا والأبنوس من الدمازين و«99%» من جلد الأصلة والكوبرا والثعابين «النوامة» تأتي من نيجيريا والكاميرون وكذلك جلد التقر «الكدس»، وقد شهدت الأسعار ارتفاعًا ملحوظًا لارتباط الأسعار بسعر الدولار عالميًا، كما أننا ملزمون بسداد رسوم جمارك لحماية الحياة البرية وتختم المواد الخام «بختم الحياة البرية»، تتفاوت الأسعار حسب الخامة حيث تتراوح أسعار الشنط المصنَّعة من الجلود الأصلية مثل جلد الأصلة والورل ما بين «100 250» جنيهًا، ويبلغ سعر الماسكات المصنوعة من الخشب المكسو بالجلد «50ج» والدراقات «70» جنيهًا، وقديمًا كنا نصنع العقود والإكسسوارات من سن الفيل، أما الآن فتصنع من عضم البقر وتُباع بسعر مابين «25 50ج» وتُباع قرون الأبقار بسعر «100ج»، أما المجسمات المصنوعة من عضم الأبقار فتباع بسعر «70ج»، وسن الفيل يبلغ سعره الآن إن وُجد «7» آلاف جنيه «7 ملايين»، وهنالك شنط نقوم بتصنيعها من «الطباقة» التي نأتي بها من الفاشر والشمالية وأم روابة وتباع بسعر «40ج»، ويبلغ سعر الحزام من الجلد الأصلي «40ج».ويتفاوت سعر المراكيب حسب الخامة والتصنيع ويبلغ سعر مركوب الأصلة «90ج»، والثعبان «200ج»، ومركوب الجنينة «80ج» والمركوب الجزيرة «35ج». أما بالنسبة للزبائن الدائمين لسوق الأناتيك فهم ممثلو القصر الجمهوري والوزارات الذين يحرصون على شراء هدايا للوفود الزائرة تعبِّر عن ثقافة السودان إضافة إلى السياح من «الخواجات» والعرب الخليجيين. وهنالك حجول من الفضة الخالصة يبلغ سعر الواحد منها «250ج». عصاية الرئيس.. توجد أشكال وأنواع من العصي ويتفاوت سعرها حسب المواد الخام التي صُنعت بها حيث يبلغ سعر العصا من المصنعة من الأبنوس السادة «75ج» وعصا المهوقني والتك «50ج»، أما العصا المصنعة من الأبنوس ومطعَّمة بالفضة والكهرمان والعقيق في شكل أشكال هندسية ومكتوب عليها أسماء الله الحسنى فيبلغ سعرها «300ج»، والعصا التي يُطلق عليها «عصاية الرئيس» يبلغ سعرها «110ج» وهذه يكثر الطلب عليها تيمنًا بعصا رئيس الجمهورية. الزبائن من الصفوة ياسر حسن سر الختم صاحب محل «دريم فلكلور» بشارع الجلود بأم درمان امتهن هذه المهمة قبل «6» سنوات عن طريق الأصدقاء الذين سبقوه في هذا المجال، يؤمن ياسر بجمال المهنة التي تعكس ثقافة وتراث هذا البلد ولكنه في ذات الوقت يشكو من ضعف القوة الشرائية وعدم تقنين السياحة داخل السودان وبسؤالنا له عن التصنيع والأسعار والقوة الشرائية أجابنا: يتم التصنيع في ورش صغيرة بواسطة حرفيين ومهنيين ولا يتم التصنيع بكميات كبيرة وذلك حسب إمكانية الحرفي، الأسعار متراوحة حسب الشكل، ونستورد المادة مثل الأبنوس من كردفان ولكن الغالبية من الأناتيك تأتي جاهزة ومصنَّعة من كينيا. أغلب الزبائن من المغتربين والسياح على قلتهم، أما داخل السودان فزبائننا من الصفوة فالسودان يخلو من ثقافة الأناتيك. داخل الورش خالد الجيلي من الحرفيين الذين يعملون بتصنيع الأناتيك، ابتدر حديثه بجملة «العمل اندثر» ثم استرسل قائلاً: أصبحت معظم الأناتيك تأتي مصنعة من كينيا وإفريقيا الوسطى وتنزانيا، العمل هنا يتم عن طريق المخرطة حيث يكون الخشب على شكل كتل كبيرة تشقق بواسطة المنشار الكهربائي ثم يأتي دور المخرطة في التشكيل «سبح، عقود، ..» وأحيانًا يكون تجسيم الاشكال حسب رغبة الزبون، كان لسن الفيل القدح المعلى في تصنيع الأناتيك ولكن الآن تمّ حصر الكميات الموجودة بالمحلات بواسطة حماية الحياة البرية وذلك عن طريق «استيكرات» تحدد الكمية الموجودة.. ثقافة اقتناء الأناتيك ثقافة نادرة ولا يعنى بها الكثيرون سوى قلة قليلة وأغلبهم من المغتربين. سمير حمزة عبد المجيد تبيدي صاحب ورشة لتصنيع الأناتيك، التقيناه من داخل ورشته بسوق أم درمان ليحدثنا عن المهنة والصعوبات التي تعترضها:هذه المهنة بدأت منذ أكثر من «500» عام منذ عهد السلطنة الزرقاء، يبلغ عمر ورشتي هذه «60» عامًا وكان لا يعمل بهذه المهنة إلا شخص له اهتمام بالتراث والفلكلور ولكن الآن حدث تغوّل في المهنة وأصبحت تجارة بيع التراث. الجمعية أنشئت في العام «2006م» لكن دخول أشخاص لا علاقة لهم بالمهنة أضاع الفكرة وأضاع الجمعية ولا توجد متابعات من وزارة الشؤون الإنسانية لتجديد التسجيل وكان أول رئيس للجمعية عبد الحميد حمزة عبد الحميد. نقوم داخل الورشة بتصنيع سيوف النحاس وعصي الأبنوس والعقود والطقوم وترابيز النحاس والشعارات والمراكيب ومقاعد «الككر»، وخامة الأبنوس من الخامات النادرة جدًا في العالم. ولكن يشهد سوق الأناتيك غزوًا من ثقافات أخرى لمجسمات مصنعة جاهزة وهذا يؤدي لتبخيس أسعار الأناتيك المصنعة محليًا.. ومع الأسف الشعب السوداني ثقافته ضعيفة في المحافظة على التراث وتعتمد أغلبية الورش على الطلبات الحكومية.بالنسبة للمشكلات التي تواجهنا أدوات المهنة غير متوفرة رغم توفر المادة الخام وأنا قد عملت بعدد من الدول العربية من قبل ولم أجد أجمل من موارد السودان.. وعلى الجهات المعنية بالأمر الالتفات للصناعات الصغيرة فهي أساس التنمية في أي بلد. كان لا بد لنا من أن نلتقي بعبد الحميد حمزة عبد الحميد مؤسس وأول رئيس للجمعية ليلقي الضوء ما بين تأسيس الجمعية واندثارها فقال: كانت لديّ زبونة تدعى «نورما كافوري» وزوجها «شارل كافوري» وهي صاحبة منظمة تسمى«I-V-W-G» وحينها كنا نحن نعمل بصناعة الذهب والفضة فسألتها: هل تساعد اليونسكو في حماية التراث؟ وطالبتها بعمل جمعية تعنى بهذا الشأن وبالفعل تمّ تكوين الجمعية من الصنايعية وبعض المهتمين وكانت الجمعية تقوم على التدريب والتعليم ولكن سرعان ما حدث تكتل وانقلاب ولم يبق من الجميعة سوى اسمها. المصنوعات الجلدية الجميع يعملون بهمَّة عالية داخل ورشة لتصنيع الجلود، عندما طلبت التحدث اليهم أشار الجميع إلى العم فتحي والذي كان منهمكًا في تنظيف جلد تمساح، دنوت منه واستسمحته في الحديث لدقائق معدودة، العم فتحي إبراهيم عبد الله يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من «50» سنه خلت، بدأ عمله في تصنيع السيوف والسكاكين ثم تطور في المهنة ليعمل في تصنيع الشنط للجنسين، يقول العم فتحي عن الأسعار وحركة الشراء: نأتي بجلود التماسيح من دولة الجنوب ونقوم بدباغتها دباغة بلدية ثم يأتي طور النظافة والتصنيع، نظام البيع غير مقيَّد فنحن نبيع مباشرة للزبون فالشعب السوداني محب للتراث كما نلبي طلبيات المحلات، يبلغ سعر شنطة الجلد بعد التصنيع «300ج» لكن حركة البيع ضعيفة نسبة لضعف الإمكانيات فيلجأ غالبية الناس لشنط «البلاستيك» رخيصة الثمن. مراسم القصر الجمهوري الأستاذ عبد الناصر سر الختم مدير متحف القصر، قال في إفادته لنا عبر الاتصال الهاتفي الذي جمعنا به فيما يتعلق بشراء الأناتيك لتقدِّم كهدايا لكبار الزوار للسودان: جرت العادة على شراء الهدايا ذات الصلة بتراث البلد ليس في السودان فحسب ولكن في كل الدول، هدايا ذات صلة بالإنتاج الزراعي أو الصناعي أو الأعمال الفنية التي تُصنع من مواد مختلفة من بيئة البلد نفسه. والسودان بلد غني بموارده كالتك والأبنوس والعاج وهذه تُشكَّل كأعمال فنية مختلفة وكذلك المصنوعات الجلدية. في مراسم القصر الجمهوري هنالك لجنة معنية لشراء الهدايا وتحرص على المنتجات السودانية مثل الكركدي المعبأ والمغلف والصمغ العربي والتبلدي إضافة إلى الأعمال الفنية التي لها علاقة بالبيئة السودانية لعكس موروثنا البيئي والثقافي لتكون هدايا ذات دلالات ومعاني. وكذلك تحرص كل الوزارات على تقديم هدايا تراثية للوفود الزائرة وفي المؤتمرات ويكون تقديم الهدايا على مستوى رؤساء الوفود والممثلين بعدها يكون هنالك برنامج مصاحب يتضمن زيارة لسوق الأناتيك حيث يحرص الزوار على شراء الأناتيك ذات الصلة بالتراث السوداني.