البنبر عبارة عن مقعد صغير و«في بعض الأحيان كبير» مصنوع من الخشب ومنسوج بالحبال، على أن بعض بنابر هذه الأيام قد تكون مصنوعة من الحديد ومنسوجة من البلاستيك، وبالطبع هذا المقعد متوفِّر في كل بيت سوداني وعند كل ستات الشاي وجلسات ستات الشاي، وقد ورد في كتاب قاموس اللغة العامية في السودان، لمؤلفه البروفيسور عون الشريف قاسم أن البنبر مقعد من الخشب وأن أصل الكلمة العربية هي «منبر» والمنبر معروف في المساجد على وجه الخصوص وقد يستعمل لفظ المنبر ليعني المؤتمر أو الندوة أو أي مكان عالٍ، وكلمة (منبر) أُبدلت فيها الميم بحرف الباء، وهذا أمر شائع في لغة مازن وربيعة، واللفظة حبشية الأصل جاءت لبلاد السودان من إثيوبيا. ولا بد من الإشارة هنا إلى تلك العلاقة الوثيقة بين إثيوبيا والسودان، والتي كانت كلها في قديم الزمان تسمى بلاد السودان وتشمل إريتريا والصومال، وظلت العلاقات متصلة عبر نهر «تكازي» أو نهر عطبرة الحالي ثم إن ملك اكسوم كان قد أغار على مملكة مروي بالبجراوية كبوشية الآن حتى يساعد أهلها على مقاومة الغزو القادم من غرب إفريقيا، وبالطبع اختلطت المجموعات الإثيوبية مع المجموعات المروية ونتج عنها تشكيلة جديدة تمتد على طول نهر النيل شمالاً حتى حلفا وجنوباً حتى سنار وشرقاً حتى الحدود الإثيوبية وهذا هو سر العلاقة الوثيقة بين وسط وشمال السودان ودولة إثيوبيا. وربما لأن كلمة بنبر إثيوبية الأصل ولتوفر سلعة «البن» فيها، ومع ثقافة الجلوس «الجماعي» لشرب القهوة فقد كثر استعمال البنابر عند الإثيوبيين لهذا الغرض. ويتكون البنبر الخشبي من أربعة أرجل وأربعة مدادات ويبلغ وزن البنبر حوالى أربعة إلى خمسة كيلو جرامات، وتتم صناعته من أشجار السلم أو السنط أو الطلح أو السيال، وكلها تأتي من مجموعة الأشجار التي يتكون منها حزام الصمغ العربي، وإذا علمنا أن كل أسرة لديها على الأقل خمسة بنابر ويتم تجديد البنبر كل عامين، وإذا قلنا إن عدد الأسر السودانية في حدود ستة ملايين أسرة فهذا يعني أن إجمالي عدد البنابر عند كل الأسر السودانية قد يصل إلى ثلاثين مليون بنبر «يعني بنبر تقريباً لكل مواطن» وهذه يكون إجمالي وزنها مائة وخمسين مليون كيلو جرام من الخشب المقطوع من الأشجار المذكورة.. وهذه على أقل تقدير تحتاج إلى قطع مليون ومائتي ألف شجرة من الطلح والسنط والهشاب لأغراض تصنيع البنابر.. وإذا علمنا أن ستات الشاي في العاصمة والأقاليم يبلغ عددهن حوالي مائة ألف ست شاي إضافة إلى عشرة آلاف قهوة على كل الطرق البرية يديرها رجال «أسياد شاي» وإذا قلنا إن كل ست شاي وسيد شاي يضع أمامه عشرة بنابر فهؤلاء جميعاً يحتاجون إلى حوالى مليون بنبر يبلغ وزنها خمسة ملايين كيلو جرام، وإذا قلنا إننا نحتاج لتجديد البنابر كل عامين فنحن أمام مشكلة بيئية كبيرة تعني قطع ملايين الأشجار كل عامين لغرض صناعة البنابر، وللمحافظة على الغطاء الشجري والبيئة، ونقول إن على الجميع استعمال بنابر الحديد المنسوجة بالبلاستيك حتى نحافظ على الأشجار، ونتجنب القطع الجائر في ضوء جهود الحكومة والهيئة القومية للغابات الرامية لاستزراع الأشجار ومكافحة التصحر وسأحدثكم لاحقاً عن استهلاك السودان من العناقريب والذي يصل إلى حوالى عشرين مليون عنقريب كل عامين.. وإذا علمنا أن العنقريب ثمنه خمسين ألف جنيه بالقديم فهذا يعني أننا نستهلك عناقريب قيمتها ألف مليار جنيه «يعني تريليون جنيه» وهذه «برضو» مقطوعة من غابات حزام الصمغ العربي.. ومن المؤكد أن وزارة المالية لا تضع في حسابها هذه الأرقام.. { كسرة أقام بنك التنمية ورشة حول تصنيع وتصدير الصمغ العربي ودعا لها مجموعة من المهتمين في القطاع الاقتصادي والسياسي والمعرفي.. ويأتي ذلك في إطار حزمة من الورش لمناقشة مشكلات القطاعات الفرعية في الصناعة مثل صناعة الجلود والحبوب الزيتية.. ولا بد أن نشيد بهذا الاتجاه الذي يقوم به بنك التنمية الصناعية، على أننا نؤكد أن على البنك دوراً مهماً في المحفاظة على الغطاء الشجري وعلى حزام الصمغ العربي عبر طرق ووسائل مختلفة ومن بينها الدعم غير المباشر الذي يمكن تقديمه لتمويل صناعة السراير الحديدية والبنابر الحديدية ومواد البناء وتصنيعها حتى نخفف الضغط على استعمال المواد الخشبية، هذا طبعاً إلى التمويل المباشر الذي يمكن أن يقدمه البنك لشركات تصنيع وتطوير إدخال الصمغ العربي في الغذاء والدواء والتعبئة لأغراض الاستهلاك المحلي أو الإقليمي في الدول العربية على وجه التحديد.