طوال تاريخ سياسة العلاقات السودانية المصرية وقع الانفراج في ختام جولات القضايا المختلفة والمشتركة بين البلدين رغم حالة البيات الشتوي الذي ظلت تعيشه في فترات محفوفة بالحذر والترقب، ومع حسبان تعداد الكثير من المواقف المتقلبة التي رمت بظلال الخلاف المكتوم وغير المعلن بوصف مصري قد يصلح هنا قولاً «إيه ياعم مش بمشي كدا وعيب والله البتعمل فيهو دا» ترسم السياسة المصرية عنوان تعاطيها السياسي مع السودان لكن في الخرطوم رفض الساسة كثيرًا من المواقف المصرية في العديد من القضايا بين الدولتين وآخرها احتجاج الخرطوم القوي على وجود عدد من قادة الحركات المسلحة بقاهرة المعز إضافة إلى الاحتجاج الدبلوماسي على تمسك القاهرة ببعض البنود إضافة وحذفًا باتفاق الحريات الأربع والمعابر الحدودية بين البلدين، وفيما يترقب الشارع السوداني ونظيره المصري قمة مرتقبة بين الرئيس البشير والرئيس مرسي بالدوحة على هامش أعمال القمة العربية وهي القمة التي يُتوقع أن تبحث عددًا من القضايا التي في مقدمتها ملف حلايب وشلاتين ذلك الملف الشائك والذي ارتأت الحكومة السودانية في كثير من الأوقات عدم التحدث عنه وإثارته رغم استمرارها في تجديد شكواها بمجلس الأمن الدولي بشأن المنطقة وربما تبحث القمة الرئاسية السودانية المصرية الملف بغية تسوية الخلاف حوله بطرائق ودية بعيدًا عن التصعيد لكن في المقابل يرى متابعون أن الوضع السياسي الراهن بين البلدين لا يقوِّي من حظوظ الحسم ويضع الأمر في خانة الإحالة لمناسبات مقبلة وسط اشتراط توافر مناخ جيد للمناقشة والبحث والتوافق والتواؤم. وغير بعيد كذلك الاحتجاج المصري غير المعلن على تسوية مشكلات السودان عبر أطراف دولية أخرى مثل الدور القطري بشأن دارفور وحل الخلاف بين السودان ودولة الجنوب عبر الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بدور إثيوبي، هذا كله بجانب مطالبة عدد من السياسيين المصريين للأنظمة المصرية بالوقوف مع السودان في حزمة من العداء تتبعها يوغندا وكينيا وبعض الدول الإفريقية ناحية السودان ورسمت أحاديث كثيرة طوال الفترة الماضية نقدًا لدور السياسة المصرية الخارجية خاصة تجاه السودان وطرح عدد من قادة الأحزاب المصرية وبعض المثقفين جملة من الانتقادات لدور الدبلوماسية المصرية ناحية الخرطوم. جانب الدلتا ينظر للسودان بصرفية اقتصادية بحتة نقشت وفق توافق عديد من المحللين على الجشع الاقتصادي وتحقيق المصلحة الاقتصادية من الجانب المصري وطالما رمت القاهرة بسنارة الاقتصاد لاصطياد أكبر قدر من أسماك المنفعة الاقتصادية من السودان دونما تقديم شيء يذكر وبينما ظلت القاهرة تسارع إلى الإعلان عن حزمة المنافع الاقتصادية على درب القمم الرئاسية والاجتماعات الثنائية المختلفة بين البلدين ظهر الحديث السابق جليا في مقدمة الاعلان عن القمة المقبلة بالحديث المتسارع والخاص بتحريك ملفات التعاون والتكامل الاقتصادي في مجالات كثيرة منها الزراعة العنصر المخيف للمصريين من إمكانية تمتع دولة أخرى ببلاد النيلين. ويعتقد الخبير الاقتصادي د. محمد سعيد أن الدبلوماسية السودانية تتحمل عبئًا غير مكترث لديها بالعلاقة مع مصر، ويجزم في حديث ل«الإنتباهة» بأهمية تمسك الخرطوم بأوراق الضغط في التعامل مع القاهرة لحلحلة كثير من الملفات السياسية والاقتصادية المشتركة ورأى أن أهمية رسم خطط واضحة ووضع إستراتيجية في التعامل مستقبلاً مع القاهرة في ظل نظام جديد رحبت الخرطوم به بحرارة عقب الثورة المصرية الأخيرة على نظام مبارك ربما يؤدي لاستفادة السودان من مصر ويشير إلى أن الخرطوم مطالبة الآن بطرح سياسة واضحة المعالم للقاهرة للتكامل المشترك فيما يخص الجانب الاقتصادي. في الوقت الذي يقلل فيه عدد من الخبراء من قيمة الإرادة السياسية المتوفرة بين البلدين في حل القضايا السياسية ويعتبرون السياسة المصرية تجاه الخرطوم «نوعًا من الخطل المنفعي» وينوهون بأهمية تكريس الخرطوم لمبدأ الضغط على القاهرة لكسب القضايا وحلها وتبصير القاهرة بأهمية التوحد خلف راية الرأي الواحد والقوي وتنسيق الكسب الاقتصادي بميزان واحد لخلق ترابط وتحالف قوي بالمنطقة التي تحيط بها سياسات غربية عدائية كثيفة تطلق نيرانها وقتما شاءت على البلدين. إذًَا تحيط بالقمة الرئاسية السودانية المصرية جملة من القضايا الساخنة تشمل وجود الحركات المسلحة بالقاهرة وملف حلايب وشلاتين بجانب اتفاق الحريات الأربع والملف الحدودي والمعابر بين البلدين إضافة إلى ملف المواطنين بين البلدين وموضوع السجناء السودانيين بالسجون المصرية ومصادرة القاهرة لعدد من الآليات والسيارات الخاصة بمنقبي الذهب مؤخرًا وينتظر قائدي البلدين مهمة عسيرة للخوض في قضايا حساسة تحتاج لعلاج ملح لا يقبل بأي حال من الأحوال وصف التأجيل والترحيل الوقتي البعيد لمراحل أخرى أو تواقيت غير قريبة. وفي محاولات متصلة لتحريك جمود العلاقات وإزالة الغبش الذي ران عليها خلال الفترة الماضية التي تلت وصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر، جاءت زيارة وفد حزب العدالة الحاكم في مصر للسودان ولا شك أن الزيارة كان لها كبير الأثر في التقليل من حدة الأزمة المكتومة والمضي قدمًا نحو إزالة أسباب التوتر، وتمضي الجهود في هذا الصدد أكثر من ذلك حيث أعلن الوفد المصري الزائر عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري محمد مرسي للسودان في أبريل المقبل... ومهما يكن من أمر فإن هذه التحركات على الأرضية المشتركة من شأنها تأكيد وجود نوايا حسنة على الأقل- وإصرار على تجاوز حالة الفتور الراهنة والاتجاه نحو تعزيز مشروعات التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين .