بعد التوقيع على المصفوفة الخاصة بتنفيذ الاتفاقيات بين الشمال والجنوب في مجالات التعاون الاقتصادي، وفيما يتعلق بتصدير النفط عبر الشمال، إضافة إلى حركة المواطنين والتبادل التجاري والترتيبات الأمنية التي تم رهنها مع بعضها بتوقيع اتفاقية الأمن، ومن المنتظر أن يتم توقيعها في الوقت القريب، وبطي صفحة الخلافات الأمنية بين الدولتين، تتطلع الأنظار إلى حتمية التبادل التجاري الذي من خلاله تنساب التجارة ويتدفق بترول الجنوب عبر أنابيب الشمال، ومنه إلى العالم، وكذلك تبادل المنافع الأخرى التي ستنعش اقتصاد البلدين. ولقد ظل اقتصاد الجنوب معتمداًعلى الاقتصاد القومي في الشمال من ناحية الإنتاج والتسويق والتمويل وعنصر العمل والخدمات العامة، وكذلك يعتمد عليه فى العلاقات الخارجية والموانئ البرية والبحرية للوصول للأسواق الخارجية، وأدى ظهور النفط فى العام 1999 إلى تغيير مساهمة اقتصاد الجنوب في الاقتصاد القومي، ومن المتوقع أن يصل حجم التبادل بعد الاتفاق الأخير ملياري دولار بواقع «170» سلعة قابلة للتصدير إلى الجنوب. وفي ذات الاتجاه وصف عدد من الخبراء والمراقبين والمتابعين للقضية أن ما تم التوصل إليه سيصب في إنعاش اقتصاد البلدين، ومن المرجح أن تستفيد دولة الجنوب من التبادل التجاري مما يتيح الفرصة للدولة الوليدة لبناء اقتصاد قوي بجانب تأمين احتياجاتها من السلع غير المتوفرة في السودان، ومن الواضح أن جوبا كانت حريصة بسبب أوضاعها الاقتصادية المأساوية على انفاذ هذين الملفين الاقتصاديين أولاً، خاصة وأن النفط يشكل قرابة «98 %» من دخل حكومة الجنوب، كما أن أوضاع مواطنيها في الشمال «قرابة مليوني شخص» والذين قد يضطرون إلى العودة إليها قد يكلفها الكثير. وطالب الخبراء بضرورة حسم الملف الأمني، ومن المفترض أن تكون الرؤية واضحة إلى حد ما، ودون شك أن الرؤى الاقتصادية تختلف تماماً عن سابقاتها. فيما أكد الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب أن المصفوفة التي وقعت أخيراً هي اتفاقية وليست مصفوفة، لأن المصفوفة توضح مدخلات ومخرجات.. وأضاف نحن في انتظار المصفوفة الواقعية التي توضح الحجم الحقيقي للعوامل الاقتصادية المشتركة، مؤكداً أنها تحتاج إلى أرقام لم يفصح عنها أي من الطرفين. وفي الغالب لا يعرفها أي منهم، وهذا يوضحه ما سبق من اتفاقيات حتى وصل الوضع الاقتصادي إلى ما هو عليه الآن. مشككاً في جدية تنفيذ هذه الاتفاقية الحالية. ولفت بوب في تصريح خاص ل «الإنتباهة» أمس إلى أن حجم التبادل التجاري من المتوقع أن يتجاوز ملياري دولار، وأضاف إذا حسبنا ما يحتاجه الجنوب من سلع ومحاصيل غذائية توقع أن يتجاوز «3» مليارات دولار بشرط أن تكون هذه التجارة مقننة عن طريق السلطات، وأن لا تحكمها أي اعتبارات سياسية بأن تكون على أساس «بزنس بزنس» محكوم بقاعدة الدولار، بينما أرجع بالقول لا بد أن تكون حكومة الشمال قادرة على تحديد احتياجات الأمن الغذائي في الشمال، لأن معظم متطلبات الجنوب سلع غذائية. وأشار بوب إلى أن الرقم الذي تم وضعه من قبل السلطات المختصة، قال إنه رقم بسيط جداً، وفي الواقع أن دولة الجنوب تحتاج إلى أكثر من ذلك. وفي ذات السياق، أوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي د. محمد أحمد الجاك أن التبادل التجاري بين الشمال والجنوب إذا تم دون عقبات، سيوفر عملات حرة أكثر من مليارين. وأضاف أن التبادل يمكِّن من حركة انتقال السلع التي كانت قبل الانفصال تستورد وتأتي من خلال التهريب، مضيفاً أنها تتوفر من خلال الجنوب، ويمكنها أن تحد من ارتفاع السلع المستوردة خاصة الأجهزة الكهربائية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على معدلات التضخم.