تطوَّرت عملية الغش لطلاب المدارس تطورًا طرديًا مع التكنلوجيا وتنوعت أساليبها لدى هذا الجيل الذي أجاد التعامل مع إيقاع السرعة واستغلال الزمن، قديماً يقوم بعض الطلاب المتخلفين أكاديمياً وغير المهتمين بدروسهم بنقل جزء من قصيدة لم يحفظوها أو نظرية في الرياضيات أو مقال تاريخي على ورقة صغيرة الحجم وبخط رفيع جداً حيث يستخرجه الطالب خلسة وفي حين غفلة من المراقب وعلى استحياء شديد حتى إذا رآه أصبح يرتعش من الخوف، وقد كانت هذه العملية تحرم الطالب من درجة الامتحان الذي غش فيه، وقد يصل الحرمان لفصله من التعليم لعدة سنوات حسب حجم الغش إلا أن الظاهرة قد شاعت مع سياسات التعليم الجديدة ومنع المعلمين من تسجيل الحالات علي ورقة الطالب أو إرفاق «البخرة» بها فأصبح الأمر دافعاً للطلاب لإتقان الغش وتجويده تماشيًا مع سرعة التطور وإيقاع التكنلوجيا تحت شعار «لا لضياع الزمن في الكتابة» لفت انتباهي وأنا بالشهداء بأم درمان التفاف الطلاب حول بعض محال التصوير وازدحامهم بها دون المحال الأخرى، تردد خاطري ظن حسن أن هؤلاء لهم من رحمة القلوب ما يجعلهم يصورون للطلاب مذكراتهم وكتبهم بمبالغ رمزية مراعين ظروف الشظف والضنك في المعيشة، وساقني فضولي للاقتراب من إحدى المجموعات إلا أنني ذهلت حين رأيتهم يتهافتون على أوراق صغيرة جداً طُبعت بخط رفيع وتم تصويرها بعد تصغيرها و«تنيها» بعناية فائقة وبنتوءات متداخلة حيث تصبح الوريقة مثل «الياي» ومن ثم يتم تثبيتها بواسطة ربطها بخيط رفيع حتى لا تفقد شكلها المخصص ذا الحجم الصغير، الغريب في الأمر أن أصحاب تلك المحال ينظمون وضعها بعناية فائقة، بخرات التاريخ في علبة مخصصة كُتب عليها بقلم «الشيني» تاريخ المهدية، مثلاً، ثم نظريات الرياضيات، ويتم بيعها بسعر جنيه لكل بخرتين مختلفتين، وتزداد القيمة مع زيادة العدد، أما المستهلك وهو الطالب فيشتري حسب ضعفه في المادة المعينة، أجريت استطلاعًا خفيًا وبأسئلة استكشافية بين الطلاب ومروجي البخرات، والطريف في الأمر أن بعضهم يقوم بترشيح بعض النقاط للطلاب «شيل بخرة ثورة التعليم في السودان «مثلاً» على مسؤوليتي، دي ضاربة بإذن الله»، سألت أحد الطلاب :«بدل الغش واحتمال يضبطوك مش احسن ليك تقرأ؟» رد ضاحكاً: «انا تفتيحة بشيل معاي من كل بخرة أربع نسخ وبضعهم في أماكن متفرقة في الشُراب لياقة القميص كل مرة يشيلوها مني بطلِّع النسخة المخبأة، لما يصلوا لآخر واحدة أنا بكون كتبت نصفها» لاحظت أن معظم أصحاب المحال المتخصصين في البخرات صغار السن وأستطيع القول إنهم «فاقد تربوي» حيث برر لي أحدهم أنه لم يستطع مواصلة تعليمه لأن أحد المعلمين قام بأخذ جميع بخراته حينما كان يجلس لامتحان الأساس الأمر الذي جعله يفقد بطاقة التأهل للثانوي وفقد مقعده في التعليم بالرسوب فنذر نفسه لمساعدة الطلاب في المجال، وهو الآن يطبع البخرات ويهندسها بصورة مثلى ويشرح لهم تكنلوجيا استخدامها... طالب آخر أطلعني على سبب لجوئه للغش أنه يحب التعامل مع التكنلوجيا ويقضي معظم أوقاته مع زملائه ب«مواقع التواصل الاجتماعي»، وقد كون أكثر من خمسة آلاف صديق بجميع دول العالم لذا فإنه لم يجد زمناً للحفظ ومراجعة الدروس، حاول دخول الامتحان بجهازه «الجلكسي» إلا أنه تم ضبطه وتحذيره الأمر الذي جعل أحد أصدقائه يدله على هذا النوع الآمن، حسبما ذكر، ساعة ونصف من الزمن وأنا أستمع لطرائفهم، وتأكد لي أن الإرشاد الديني غائب عنهم تمامًا، فحينما علقت على أحدهم أن هذا حرام: رد بقوله «انت ما جايبة خبر ولا شنو؟ حرام سرقة العلم ولا القروش؟ أنا بسرق لي كلمات بس عشان أنجح والموضوع دا ما في زول متضرر منو؟ طيب والبسرقوا الملايين ديل الحرمها عليهم منو؟ أمشي أقري الجرايد ياخ». خرجت وأنا أقول حسبي الله ونعم الوكيل على ضياع بعض شباب هذا الجيل!!