الأبناء هم ثروة المغتربين الحقيقية ومن أجلهم يتحمل المغترب كل ضغوط الغربة وهمومها، ولكن بالرغم من ذلك ينسى أن هولاء الأبناء عندما يعودون إلى الوطن ماذا يحدث لهم من اختلاف ما بين بيئة الاغتراب وبيئة الوطن، وهذا ما دعانا للجلوس إلى د. أحمد التوم سالم الذي هاجر ببرطانيا منذ (1996م) وهو اختصاصي في علم النفس له أكثر من سبع شهادات جامعية وما فوق الجامعية في بحوث تطوير الصناعات والمخاطر العالمية في علم النفس الاجتماعي والفيزيائي وعلوم الاتصال وأيضًا في علم نفس الطيران في الجانب المهني والعلمي ومختص في الجانب النفسي المهاجر التقته (نافذة مهاجر) من خلال ورشة عمل إدارة الموارد الفردية لبناء وتطوير قدرات الشباب والطلاب وتناقشت معه حول المشكلات النفسية التي تواجه أبناء المغتربين خاصة والمغتربين عامة فكان هذا الحوار: ٭٭ دائمًا ما نسمع أن أبناء المغتربين يلجأون إلى تعاطي المخدرات لماذا؟ هذا كلام عام قد يكون فيه جانب من الصحة أو لا يكون، فإذا افترضنا أن فيه صحة يكون نتيجة للضغوطات النفسية التي يتعرضون لها، أو العزلة التي تأتي من زملائهم الطلاب أو من الجامعة، فحتى الجامعات تعزلهم من حيث إنها تفرض عليهم رسوما تختلف عن بقية الطلاب الآخرين، وأيضًا السياسة العامة بطريقة أو بأخرى تساعد في عزلهم، وطالما أنهم يعيشون في عزلة فهم عرضة للاضطرابات النفسية ويلجأون بعد ذلك إلى كيفية التأقلم مع الواقع كبقية الناس التي تختلف في التعامل والتقبل للواقع فهنالك من يتجه إلى جانب المخدرات ظنًا منه أنها المخرج الوحيد وتعطيه السعادة التي لايجدها في الواقع الذي يعيش فيه، وهنا إذا حدث مثل هذا فاللوم يقع على المجتمع الحاضن له.. ٭٭ وماذا عن دور الأسرة؟ يكون دور الأسرة متمثل في الوالدين الذين يكون لهم دورهم بأن يعطوا هؤلاء الأبناء جرعة كافية ويكون الفصل بطريقة مبرمجة ومدروسة وسلسة وتهيئتهم نفسيًا حتى لا يتعرضوا لصدمة الانفصال وخاصة أنهم في مرحلة الشباب ومعروف أن هذه المرحلة تصطحبها تغييرات جسمية بجانب روح التمرد وكل هذه الدوافع تجعلهم يلجأون إلى المخدرات. ٭٭ ما هي الأشياء التي يجب على المغترب أن يتبعها حتى يتأقلم أبناؤهم والبيئة الجديدة؟ أولاً يفترض من الداخل أن يتم تهيئتهم للاغتراب، وأتمنى من المؤسسات المسؤولة عن الهجرة والتي تعمل في هذا المجال أن تقوم بتهيئتهم من خلال الدورات التي تهيئهم نفسيًا وتدربهم وتعرفهم على البلد التي سيهاجروا إليها من ناحية ثقافتها ولغتها وعاداتها وتقاليدها ونظمها ولوائحها مما يساعدهم في تقبل بيئة الاغتراب بجانب ذلك يكونوا قد امتلكوا مهارات متعددة بيده والتي تمثل (85%) من نجاح الإنسان في عمله، فامتلاك أي فرد مهاجر لمهارات الاتصال والمرونة والتأقلم مع الأشياء في شكل جرعات تساعدهم في التأقلم مع الوضع الجديد وخير معين لذلك الأهل كما أن المغترب خير ممثل لبلده بالخارج. ٭٭ كيف يتم دمج المغترب نفسيًا بعد عودته من الغربة؟ هذه واحدة من المعضلات التي تواجههم، فالمغترب له دور في ذلك ومن المفترض أن يعلم أن هنالك متغيرات تحدث بالداخل من خلال تواصله الدائم وأيضًا يجب أن يعلم ماذا يدور بسوق العمل في السودان من خلال متابعة المتغيرات والإلمام بها، فنحن في السودان نعاني من مشكلة التخطيط التي دائمًا تكون غائبة عنا، كما يفترض على المغترب أن يضع أهدافه من الاغتراب ويحددها بفترة زمنية وماذا يريد أن يجنيه من الاغتراب حتى يستطيع عند عودته دراسة الوضع بجانب ذخيرته من المعرفة واهدافه التي يريد ان يحققها، كما يجب على الدولة أن تكون لها إستراتيجية واضحة للمغتربين من الجهات التي لها علاقة بالمغتربين وتنويرهم بالفرص المتاحة والتخصصات الموجودة كما يجب أن يكون هنالك تواصل مستمر بين جهاز المغتربين والمهاجرين لخلق فرص استثمارية ناجحة. ٭٭ برأيك ما هي المخاطر النفسية التي تواجه هجرة الشباب؟ هجرة الشباب هاجس كبير لأنها هجرة غير مدروسة، كما أن هجرتهم أصبحت في حد ذاتها هدف وهنا تكمن الخطورة، فهؤلاء الشباب يهاجرون عن طريق التهريب في رحلة تستمر أكثر من ثلاثة شهور، وعندما يصلون إلى بريطانيا «حسب الحالات التي تأتي إلي» فقد كانوا في حالة نفسية سيئة وتائهون، واعتقد ان هؤلاء الشباب في حالة توهان وحالة اغواء فكري، بجانب عدم تواصلهم مع باقي فئات المجتمع الأخرى، فيعيشون في عالم آخر مما يجعل الهجرة في حد ذاتها هدفا لهم، لذلك لا بد أن تكون هجرتهم مدروسة سواء للعمل أو الدراسة ولفترة محدودة وأيضًا يجب تهيئتهم نفسيًا قبلأن يهاجروا وتزويدهم بأرقام السفارات والقنصليات في البلدان التي يهاجرون اليها حتى لايقعوا فريسة للمنظمات الأجنبية أو شبكات الإجرام. ٭٭ بماذا تنصح أسر المغتربين حتى يستطيعوا أن يدمجوا أبناؤهم في المجتمع؟ النصيحة الأولى زرع الثقة في نفوس أبنائهم وتهيئتهم للانتقال وإدارة التغيير بطريقة افضل وتنويرهم لأنهم وصلوا مرحلة الاعتماد على النفس، أيضًا عدم المبالغة في الحديث عن العادات والتقاليد السودانية القديمة التي عندما يأتون لن يجدوها ويجدوا ثقافة مختلفة.