الأزمة السورية أخذت منحى خطيراً لا يهدد سوريا فقط بل كل المنطقة، حيث يجري التدخل بصورة سافرة حتى من الأطراف التي يفترض منها أن تعمل على إنقاذ بلد عربي عضو في الجامعة العربية، ولكن الجامعة العربية فضلت موقفاً آخر!!.. النظام السوري الحاكم تسبَّب أيضاً في تعقيد الأزمة حيث مارس سياسة القمع والإرهاب ضد مواطنيه، والمعارضة السورية التي عاشت طوال الأربعين عاماً الماضية في المنافي الأوربية والأمريكية، توجب عليها الآن دفع فاتورة الاستضافة للدول التي استضافتهم، ومن يعاني من صراع الطرفين هو سوريا والشعب السوري!!.. وللمرة الأولى في التاريخ تقف جميع الأطراف في تعهد غير مكتوب لتدمير دولة وشعب، حتى الأطراف الدولية تدخلت لتلعب دوراً في هذا الدمار!!.. أمريكا لا تريد تكرار ما حدث في العراق فقد فقدت الكثير وزلزلت الحرب العراقية الأرض تحت أقدامها، فقد غزت العراق بناءً على الضغوط والابتزازات الإسرائيلية، فقد كان حزب الليكود يبتز جورج بوش بفضائح أخلاقية أرغمته على الاستناد إلى الأكاذيب لغزو العراق!!.. تعنت الناظم الحاكم، وتعنت المعارضة، ودور الجامعة العربية السلبي تجاه القضية، ودور دول الخليج في دعم وإغراء المقاتلين من شتى أنحاء العالم بالمال للدخول في الحرب السورية فاقم الأزمة وباعد بين الآراء السلمية للحل!!.. أقوى جيشين بعد كامب ديڤيد هما الجيش العراقي والجيش السوري، فبعد كامب ديڤيد تم تجريد الجيش المصري من عقيدته العسكرية التي قام عليها وهي العقيدة العسكرية السوڤيتية، وأصبح رهن الإشارة الأمريكية، وتحولت اهتماماته تجاه الحكم بعد أن فقد عقيدته القتالية، فمنذ خمسينيات القرن الماضي تداول الجيش السلطة فيما بين أفراده بدءاً بعبد الناصر وانتهاءً بحسني مبارك، وحتى من نافس الرئيس محمد مرسي الرئاسة كان أحمد شفيق كان من العسكر وأحد أكبر أعوان مبارك، فالجيش المصري بعد ذوبان عقيدته القتالية توجه بكلياته إلى الحكم!!.. الجيش العراقي لم يعد مؤثراً حين فقد العقيدة القتالية، فأمريكا قامت أول ما قامت بحل الجيش العراقي، وكان ذلك مقصوداً والغرض منه تفكيك العراق ولو كان الجيش العراقي موجوداً لما انفصل إقليم كردستان، رغم عدم إعلان ذلك الانفصال واليوم لا يوجد جندي واحد من الجيش العراقي في كردستان وهذا دليل واضح على عدم سيادة العراق على الإقليم!!.. وقد حاول المالكي محاولة يائسة لإعادة العقيدة العسكرية للجيش العراقي فأبرم اتفاقية يتم بموجبها تسليح الجيش العراقي بالسلاح الروسي، ولكن الاتفاقية تم إلغاؤها لحظة وصول المالكي لبغداد!!.. واليوم يدور ذات المخطط الذي تم تطبيقه على الجيش المصري والعراقي على الجيش السوري فالجيش المصري تم ترويضه بكامب ديڤيد والعراقي تم تدميره بالحرب والحل، أما السوري فيجري إنهاكه بالحرب الأهلية وحرب العصابات والمرتزقة، وللأسف يتعاون على هذا الجميع النظام الحاكم بتعنته والمعارضة بعمالتها، ودول الخليج بالتمويل لخراب سوريا!!.. ومن واقع الأحداث نجد أن القوى الإسلامية هي صاحبة الأثر الأكبر على الشارع العربي وقد ظهر ذلك في الربيع العربي في مصر وتونس حيث نال الإسلاميون المعتدلون أغلبية الأصوات، هذا الأمر ربما أحدث قلقاً في الغرب وفي دول الخليج الغنية وقد تم تجاهل هذه الحقيقة، وتحوّل الدعم إلى جهات إسلامية أخرى التي وصفوها بالمتشددة والأصولية، وهذا ما أقلق الغرب كثيراً، فالغرب يهدف تدمير الجيش السوري لدرء الخطر من إسرائيل، ولكنه في ذات الوقت لا يود أن توجد مكانه مجموعات متشددة وغير منضبطة وغير منظمة ففي هذا خطر على إسرائيل بأكثر مما يشكله الجيش السوري!!.. الموقف الروسي رغم عقلانيته ومناداته بالحوار كأداة سلمية للحل، إلا أنه أيضاً تجاهل دور القوى الإسلامية المعتدلة والمؤثرة على الشارع السوري، وأعني بها الإخوان المسلمون، وقد قفلت روسيا هذا الباب بنفسها حين أدرجت الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية بقانون صدر في روسيا كرد فعل للعمليات التخريبية التي حدثت في الجمهوريات الإسلامية الروسية، وهؤلاء كانوا من المتشددين الذين حاربوا في أفغانستان وهؤلاء يفتقرون إلى الرؤيا السياسية، ومعظم ضحاياهم بل الغالبية العظمى من الضحايا هم من المسلمين!!.. والدبلوماسية الروسية نشطة في حل الأزمة السورية سياسياً وهذه محمدة لها ولكنها لم تحاور كل الأطراف، بل اكتفت بأسماء تم تلميعها في الغرب، وهؤلاء ليسوا ذوي أثر على الشارع السوري، وتجاهلت القوى الإسلامية المعتدلة وذات التأثير القوي على الشارع السوري!!.. والقوى الإسلامية السورية المعتدلة هي القوى التي ستكون الأكثر اعتماداً على روسيا وهي تدرك أن العقيدة العسكرية السورية هي ذاتها الروسية، لذلك لن تجازف بفقدان تلك العقيدة وفي جوارها أكبر عدو لها، وفقدان سوريا يعني فقدان روسيا التأثير على المنطقة بأكملها، الأمر الذي يجعل روسيا في موقف ضعيف ويضعف كثيراً من دورها المؤثر في السياسة العالمية!!.. وما حدث بالنسبة لصفقة الأسلحة الروسية للعراق يجب أن يضيء الطريق لروسيا ويفتح الطرق لنهج سياسة لا أقول مغايرة لما تقوم به روسيا الآن بل توسع ما عونها ليشمل القوى ذات الأثر الحقيقي على الشارع السوري وهي القوى الإسلامية المعتدلة، سيما وقد بدأت أمريكا في مغازلتها!!.. وقد أعلن الرئيس مرسي أنه سيتجه شرقاً وهذه تعني أن موسكو معنية بهذا التوجه فلماذا لا تخطو روسيا خطوة مشابهة ففي هذا التوجه مكسب كبير لموسكو ولا شك في أنه سيجد كثيراً من الحلول التي تصب في صالح سوريا للخروج من الأزمة المدمرة، كما أن العداء الخفي الذي تتصف به قناة روسيا اليوم تجاه النظام في مصر لا يصب في التفاهم بين موسكو والقاهرة، كما لا يصب في حل الأزمة السورية وقضايا المنطقة عموماً، فالأثر الروسي يجب أن يكون عاماً على المنطقة وليس قاصراً على النظام الحاكم في سوريا، كما أن قناة روسيا اليوم ببرامجها المؤثرة والغنية بالفكر والموضوعية وقد نالت اهتماماً كبيراً في المنطقة وإعجاباً، يجب أن تلعب دوراً محايداً وإيجابياً تجاه القضايا في المنطقة، فهي ليست كالقنوات التي تطرح الآراء من وجهة نظر محددة إنما تتيح لمختلف وجهات النظر المتباينة، وهذه محمدة لتلك القناة المفيدة!!.. وعلى روسيا أن تلعب دورها خاصة والغرب متردّد في تسليح المعارضة السورية خوفاً من التطرف، وهو رغم كل الدعم الذي يقدمه حائر وخائف على مستقبل مصالحه إذا حدث وإن تنفذ المتشددون في سوريا!!..