يجلسن على هامش الطريق بين الامل والخوف، الامل في البيع وتحسن الحال والخوف من الكساد ورجال البلدية... انهن نساء ادار لهن الحظ ظهره وتركهن يكابدن من اجل لقمة العيش، يجلسن الساعات الطوال من اجل جنيهات معدودة وربما لا تأتي في كثير من الأحيان ليرجعن خاليات الوفاض. وبيع الطواقي من اقدم انواع التجاره في الاسواق السودانية وذلك لماتتمتع به الطاقية من مكانة رفيعة في المجتمع السوداني منذ قديم الزمان والى اليوم، وبعد ان انفتح السودان على العالم مازالت الطاقية عنصرًا مهمًا بالنسبة للرجل السوداني فهي مكملة للزي وبدونها لا يكون له نكهة ولا اناقة. كلتوم ارباب وهي امرأة مكافحة تربي سبعة من الابناء وتقطن في اقصى ام درمان تعمل في بيع الطواقي منذ ست سنوات تأتي يوميًا من منزلها وترجع بخمسة جنيهات للمواصلات، قالت: اخترت بيع الطواقي بسبب رأس مالي الصغير ولانها ايضا «مافيها مشاكل كتيرة لا بتبور عليك ولا موضتها بتنتهي ولا بتبوظ»، وانا مستأجرة تربيزة لأتجنب الكشات والهروب طول اليوم من رجال البلدية فيضيع اليوم كله علينا، أشتريها من سوق ليبيا جملة وابيعها بالقطعة واصنع بنفسي في بعض الاحيان لكن التصنيع يحتاج إلى زمن طويل فافضل شراءها جاهزة من التجار الذين يستقدمونها من الصين والتي يتم تصنيعها في جبل مرة او في اي مكان آخر، وعن الاكثر ربحًا قالت: الطواقي العريضة والمنقوشة وهي لا تحتاج الى عمة معها، ولذلك يرغبون فيها اكثر عكس طواقي همشكوريب الصغيرة والتي نادرًا ما تلبس سادة دون عمة، حيث يبلغ سعر العريضة خمسة عشر جنيهًا واثنا عشر للمحلية، ولكن المحلية ربحها اكبر لأن تكلفتها اقل، فالواحدة تكلف جنيهًا للخيط الذي تصنع به وتحتاج الى يومين، اما المستوردة فنكسب فيها بالكتير خمسة جنيهات. وبالقرب منها فاطمة التي تلتحف في الأرض فقالت انها لا تكسب ما يكفي حتى تستأجر لها تربيزة لأن ما تربحه تصرفه، تقول: وانا محتاجة لكل مليم فأنا لديَّ ابناء ايتام وابيع الطواقي منذ ما يقارب الخمسة عشر عامًا ومنذ ان كان هذا السوق المزدحم بالمارة وكانت الطواقي ذات اهمية للرجال اما الآن فلم يعد الحال كما هو واصبح السوق بيئة طاردة فهي تشكر الله وتحمده وانها راضية بما قسمه الله حتى اذا رجعت الى منزلها دون ان تبيع شيئًا وحتى اولادها لا يلومونها اذا لم تحضر لهم شيئًا ويمكنهم ان يتحملوا الجوع الى اليوم الثاني. والحاجة حواء الحفيظ تلك المرأة الطاعنة في السن ولكنها مازالت تعمل وتسعى لتكسب لقمتها بنفسها فهي وحيدة وليس لديها عائل، قالت: لو تركتنا الكشة نكسب رزقنا لن نضام لكن دائمًا تصادر منا البضاعة ويتم تغريمنا اكثر من البضاعة لذا اتركها لهم واستدين من زبوني واسدد بالأقساط. اما الحاجة ثريا فتقول ان البيع تعبان ليس مثل الأول وان الجيل الجديد لا يلبس الطواقي ولا يهتم باقتناء تشكيلات كثيرة من الطواقي مثل آبائنا واخواننا زمان فكان الواحد تكون لديه طواقي على قدر الجلاليب واذا ضاعت منه واحدة يعوضها سريعًا ويعمل منها موضوع لكن نحمد الله هي افضل من التسول. اما الخالة امينة الهادي وهي صاحبة خبرة حيث تنقلت بين عدة اسواق بدءًا من الفاشر وسنار وصولاً لام درمان واستقر بها المقام في السوق العربي فمنذ الصغر عملت على حياكة الطواقي فهي مهنة جدتها وامها وكانت تبيعها هي في السوق منذ ان كان عمرها ثماني سنوات والى الآن لا تعرف شيئًا سوى بيع الطواقي ولها زبائن كثر يأتونها من جميع انحاء السودان وفي الأعياد يحجز الناس منها طواقي فهي من خلال تنقلها بين عدة مدن اصبح لديها كثير من الزبائن. وصادفنا هناك شابين يبحثان عن نوع معين من الطواقي فقال احمد انه سوف يتزوج قريبًا وانه يبحث عن لون طاقية يتناسب مع لبسته التي سوف يرتديها واخرى لصديقه ولكن لم يحالفهما الحظ حتى الآن، وقال ان الطاقية مهمة بالنسبة للرجل و خاصة في المناسبات التي يفضل فيها لبس الزي البلدي وانها تعطي مظهرًا رجوليًا وجذابًا في نفس الوقت وهو بعد الزواج سوف يكثر من لبسها وان تلك المرحلة تتطلب لبس الكثير من الطواقي. هي مهنة وجدت طريقها الى العلن اسوة بكثير من المهن النسوية باختلاف انها كانت تحاك يدويًا والآن اصبحت تأتي من الصين ولكنها تظل صاحبة صيت لا يستهان به.