بعض السودانيين عندما يذهبون أو يقيمون في البلاد العربية المجاورة سرعان ما يلتقطون مفردات لهجة تلك البلاد ويتخاطبون بها بينما نجد أن إخواننا من المصريين أو السعوديين أو الخليجيين لو مكثوا بين ظهرانينا عشرات السنين فلن يغيِّروا لهجتهم إلى اللهجة السودانية. وبالرغم من أن السودانيين لا «تخيل» أو تناسبهم تلك اللهجات إلا أنهم يصرون عليها بالكثير من الغباء. مثل تلك المرأة السودانية المشلخة التي أرادت أن تدل على اللسان المصري الذي امتطت صهوته وهي تأمر ابنها أن يبقى في مكانه فقالت له آمرة «أنب أبلك» يعني «قنب قبلك». أما أخونا عبد الرازق الذي أمضى هو وعائلته عاماً واحداً في الخليج فقد عاد في إجازته السنوية، ولكي أحكي وقائع إحدى جلساته فإن الأمر يتطلب مني تدخلاً مستمرًا لفائده القارئ السودانى الكريم ولأمور تتعلق بالترجمة على الشريط لذا لزم التنويه. عبد الرازق رجل هادئ خجول لا يحب كثرة الكلام دون أن تكون هناك فائدة من ورائه وبالرغم من أنه عاد لتوه من الخليج في إجازته الرسمية وهو فى حالة من الاشتياق العارم للبلد ولأفراد أسرته إلا أنه لم يتكلم كثيرًا. كان يعبر عن كل شيء بضحكة وابتسامة صافية تدل على الرضا بما أراد القضاء. ورغم جهود زوجته المتواصلة المتكررة أن يخرج من صمته ليحكي للأصدقاء قصة وقعت له في الخليج إلا أنه كان يقول إن الموضوع ليس بتلك الأهمية. وذات يوم وفي جلسة ضمت عددًا كبيرًا من أفراد الأسرة والأصحاب صاحت زوجته: يخسى عليك يا عبد الرازق يعنى ما تحكي ليهم سالفتنا «حكايتنا» لما جينا ماشين جنب الدوار «صينية المرور»... ويشعر عبد الرازق بخجل شديد فالموضوع لا يستحق ويغمغم قائلاً: لا... دي سالفة بسيطة خالص. يعنى ما بتفيد بشيء. أي والله ما بتفيد بشيء. بس هي اللي مكبراها مافيش لزوم. وتتدخل زوجته: انت بس احكى وخلينا نحنا نحكم يله.. يله يا أخي. ما تكسر خاطر الجماعة دولا كلهم.. ويخاف الجماعة كلهم أن ينكسر خاطرهم فيشجعون عبد الرازق ليحكي السالفة. وتستمر دقيقة يتنحنح عبد الرازق خلالها ويتحرك قليلاً ثم يقول: زي ماقولت لكم أصلو السالفة مش كبيرة وايدا. المهم يوم كنا جايين بالسيارة بتاعتنا من العين وهنا تتدخل زوجته: العين بتاعة إيه؟ كنا جايين من الشارقة لما وقفنا وشريتا لأمجد بسكت «بسكويت» وبعدين أنت ما كنت مخلي بالك في المراية . أها يله استمر. ويستمر قائلاً: طيب كنا جايين من الشارقة لما وقفنا وكان ورانا دريويل مال سيارة«سواق بتاع عربيه»ضارب الليت شديد «مولع أنوار العربية»... وأنا ما كنت شايف في المراية لحدي مادعس بريك «قبض فرملة» جنبي وتدخل زوجته لسرد بعض الوقائع التي فاتت على زوجها: بس يا عبدالرازق انت نسيت ولا إيه؟ قبل ما الدريويل «السواق» يجي من ورانا كان أصلو دعم سيارة ثانية «يعني صدم عربية ثانية».. والشرطي كان.. بقول ليهو بالمكرفون: سيارة مازدا موديل «200» صف يمين صف يمين «يعني أقيف يمين» وتستمر زوجة عبد الرازق في تصحيح الوقائع وتصحيح ذاكرة زوجها الخربة: تذكر زين لما كان الشرطي بيسأله من الليسون والملكية «يعني الرخصة وشهادة الملكية». ويتذكر عبد الرازق هذه الواقعة جيدًا. أيوه تمام هو الشرطي كان لازم يشوف الليسون والملكية قبل كل شيء... وأصلو الراجل كان جاري شديد بالسيارة لحدي ما صيح ويلها «يعني خلى عجلها يكورك» ولما وصل الدوار «الصينية» ما كان قادر يدعس البريك «يقبض فرملة» فعمل بنشر في التاير «يعني طرشق اللستك» وقبل ما يهدي طلع سيدا «يعني طلع طوالي»... المهم نحن كنا في الوقت دا جنب السوبر ماركت.. ومن هناك جا الشرطي بسيارة المرور... ونحنا كنا مستعجلين لأنو ساعات الدوام «العمل» قربت تفنش «تنتهي»... وتذكره زوجته بحادثة مهمة. يعني يا عبد الرازق قبل كدا... ما كان فى حاجة حصلت.. وتساءل عبدالرازق: حاجة بتاعة شنو؟ ما بتذكر. وتقرب زوجته الموضوع من ذهنه: كدى حاول اتذكر ...جوه الدكان كان في شنو ويقدح عبد الرازق زناد ذاكرته الخربة ولكنه لا يتوصل الى شيء محدد. يعني كان فى إيه...؟ وإزاء تصلب ذاكرته تسعفه زوجته ببعض الوقائع: يعني رفيق بتاع السيوبر ماركت «الود الباكستانى الشغال في السيوبر ماركت»... مش جاك طالع بره وقال ليك كلام كدا... ويصيح عبد الرازق : أيوه ...ما تقولي كدا من الأول... لكين الطلع من السيوبر ماركت كان رفيق ولا واحد تاني؟ وتصر زوجته: قلت ليك رفيق... يله تم الحكاية .. ويتساءل عبد الرازق. لكين هو قال إيه؟ وتتساءل زوجته: هو قال لي أنا ولا قال ليك أنت؟ يا أخي ما تتذكر. ويتدخل أحد الحاضرين قائلاً: يا إخوانا تفتكروا حكاية رفيق دي مهمة يعني؟ مش ممكن نسيب الحكاية دي ونواصل الموضوع؟... وتصر زوجة عبدالرازق أن حكاية رفيق هذه مهمة جدًا في سياق القصة ولكنها لن تتطوع بذكر وقائعها حتى يتذكر عبد الرازق فهو الذي يحكي القصة وليست هي... ويلتفت عبد الرازق يمنة ويسرة ولا يجد ما يقوله إلا أن يواصل قائلاً: طيب.. خلاص.. بعدين نقول رفيق قال شنو.. المهم كنا عايزين نشتري بسكت «بسكويت» من السيوبر ماركت لأمجد وأنا ماكنت أبغي شي.. وتصيح زوجته: ما كنت تبغى شي ولا عشان متروس؟ «يعنى شبعان»؟ ويحلف عبد الرازق أنه ما كان يريد شيئًا بالرغم من أنه لم يكن متروسًا «يعنى شبعان». يعنى أنا أكون متروس كيف... ولحدي الوقت داك ما لمينا في ربعتنا «أصحابنا»... وكنا نبغي نبلش السيارة «ندور العربية» ونسيرها سيدا «نطلع طوالي» إلى رأس الخيمة لكين أصبحنا شهودًا في قضية مرور لأن الدرويل مال السيارة «سواق العربية» ما خلانا حتى نشرب شاي سليماني ولا حليب «شاي أحمر أو بلبن». فقلت أحسن أبند السيارة «أقفل العربية» وأسكرها «أقفلها برضو» عشان نشوف الشرطي عايز شنو؟ ويظهر على زوجته أنها أُصيبت بخيبة أمل.. فعبد الرازق لم يذكر كل وقائع ذلك اليوم وهم راجعين من الشارقة فقالت تقاطعه: طيب يا عبد الرازق أحكي ليهم لما الدرويل مال السيارة جا وطلب منك سيجارة .. أنت قلت ليهو شنو؟ ولا يجد عبد الرازق بدا من الخروج من هذه الورطة إلا أن يجيب: أيوه.. أنا كنت زعلان والراجل دا عطلنا وايد عشان كدا قلت ليهو: شوف يا أخينا... أحسن لك تمشي... أنت مش بنشرت التاير «طرشقت اللستك» بعد ما صيحت ويل السيارة «بعد ما خليت لستك العربية يكورك» ودعمت «صدمت» سيارة في الدوار «الصينية».. أحسن تمشي مع شرطي المرور وتوريه الليسون والملكية «الرخصة وشهادة الملكية...» أصلو الواحد لازم يكون حمش كدا حتى أموره تتصلح. وتمصمص زوجته شفتيها قائلة: ها... والله غشاكم في حاجات كثيرة ما حكاها ليكم ... غايتو مرة ثانية مزاجه يكون زين نقدر نخلي يقطع مصارينكم بسوالفو ونوادره في الخليج. ولا يزال «الربع» في انتظار أن يعود عبد الرازق في إجازته القادمة ليقطع مصارينهم بسوالفه في الخليج.