دائماً ما يثور الجدل حول الاستثمار الوطني في الخارج، حيناً يؤخذ على أنه هروب برؤوس الأموال، وحينا آخر يؤخذ على أنه استثمار جذبته بيئة مغرية، لان الأنظمة والتشريعات توفر له ضمانة أكثر في علاقاته مع السوق وغيره أو لأنه يتطلب نوعا من المهارات لا تتوافر إلا هناك ، أو لأن نوعية النشاط الاستثماري الذي لا تمنحه له بيئته المحلية تصبح مبررا آخر. واتجاه المستثمرين السودانيين إلى الاستثمار خارجه عبر قنوات استثمارية خارجية والتي في غالبها نجدها استثمارات فردية بعدد من الدول تركزت في ماليزيا وبريطانيا وعدد من الدول العربية والإفريقية، تفرض سؤالاً منطقياً: ما هي الأسباب التي جعلت هؤلاء المستثمرين يهربون بأموالهم للخارج؟ وهل هنالك قصور من الدولة تجاه توفير البيئة المناسبة للاستثمار في السودان؟ والاقتصاد المهاجر أحد اقتصاديات الهجرة الذي نجد أنه يأتي نتيجة لتصدير الخبرات البشرية لتصبح أحد مصادر النقد الأجنبي من خلال التحويلات والاستثمارات وكل الخدمات التي يقدمها المغتربون لأهلهم وذويهم مما يسهم في عملية التنمية في بلد المهجر، محاولة توظيف الاقتصاد المهاجر من زاوية التحويلات المالية والخبرات.. ولكن للاقتصاد المهاجر العديد من الآثار الإيجابية التي تتمثل في أنه مورد للعملة الأجنبية التي لا تحتاج إلى مدخلات إنتاج فقط يتطلب اتباع سياسات تشجيع الاستثمار للمساعدة في تدفق تحويلات المغتربين، وذلك بتقديم حوافز لهم من قبل الدولة لحث المغتربين على دعم الاقتصاد الوطني والوقوف مع الوطن، والتحدي يكمن في كيفية استقطاب أموال السودانيين الموجودة بالخارج، فلا يمكن استقرار سعر الصرف إلا بتقديم حوافز استثمارية مشجعة لهم واعتماد نظام «سياحة المغتربين» التي تعني أن يخرج المغترب ويدخل دون المرور بأية عمليات تعقيدية لأنه يمكن ان يقتنع بالرجوع في حالة وجود سياسات واضحة تتخذها الدولة.. ومع ارتفاع عدد المهاجرين المسجلين إلى أكثر من «94230» سودانياً خلال العام 2012 م مقابل «10032» عام 2008م تجعل الوضع أقل ما نصفه بالخطير والمخيف، حيث نجد أن مهن الطب والتعليم والهندسة تقف في أعلى سلم الهجرة ، إذ بلغ عدد المهاجرين من الأطباء خلال الفترة الأخيرة نحو «5028»، بينما بلغ عدد المهاجرين من المهن التعليمية خلال العام الماضي نحو «1002» كادر، والتي أضحت تمثل هاجساً لكل المؤسسات الرسمية بالبلاد، والتي لا يمكن معالجتها إلا عبر رؤى تكاملية للاقتصاد السوداني.. استسهال الحديث عن الاستنزاف والفقدان للكفاءات يزيغ أبصارنا عن الكسب من وراء الهجرة المنظمة التي تتطلب سياسة «تنوير معرفي» توازن بين الكسب والخسران التي ستؤكد أن الكسب يغلب على الفقد، وسوف يكون له أثر تراكمي لا محالة..