ما إن يأتي الحديث عن التطبيع مع واشنطن إلا وتبرز بوضوح كل الوعود والمطالبات الأمريكية بالتطبيع مع الخرطوم، وكانت واشنطن قد دفعت اشتراطات جديدة للخرطوم للتطبيع معها ووضعت عدة شروط من بينها عدم دعم ما أسمته بالإرهاب العالمي لستة أشهر متتالية، فضلاً عن تقديم ضمانات بعدم دعم أي أعمال إرهابية مستقبلاً إضافة لشروط لم تُفصح عنها. وقال القائم بالأعمال الأمريكيةبالخرطوم جوزيف إستانفورد إن الحكومة تعلم بها لرفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب، وطالب إستانفورد الخرطوم بالتفاوض مع قطاع الشمال واتخاذ خطوات ملموسة لحل أزمة المنطقتين. إلا أن الحديث عن التطبيع مع واشنطن ظل مجرد وعود ومقترحات تخرج من الجانبين، ومع الوعود المتكررة من قِبل واشنطن برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ظلت واشنطن تحدد شروطًا نُفِّذت كلها من قبل الخرطوم، فكانت الوعود الأمريكية للسودان بالتطبيع، وربط الوعود بإجراء الاستفتاء في بيئة صحية، وكل مرة تتراجع عن وعودها، وأخيرًا تتحدَّث عن حل القضايا العالقة؛ مما يؤكِّد أن واشنطن في تعاملها مع السودان ووعودها بالتطبيع تستخدم ذلك للمزيد من الضغوط والمكاسب، وعزا مراقبون ذلك إلى أن السياسة السودانية بعد انفصال الجنوب، وبعد «نيفاشا»، لم تحقِّق نجاحات فيما يتعلق باستقرار الدولة بقيام نظام ديمقراطي في السودان، والعدالة الاجتماعية، والقضايا العالقة؛ فأمريكا تعتقد أنها من ناحية أخلاقية مُلزمة بدعم الديمقراطية، وتستخدم فكرة التطبيع مع الخرطوم في تحقيق المزيد من المكاسب من الخرطوم في ملف آخر، فعندما انتهت مشكلة الجنوب بالانفصال، اتجهت للحديث عن قضية «دارفور»، وربطت حل مشكلة «دارفور» بالتطبيع مع أمريكا،. السفير الأمريكى جوزيف إستانفورد أكد في منتدى «مفاكرات» الذي نظمه القطاع السياسي بولاية الخرطوم أنهم لا يريدون إسقاط الحكومة السودانية رغم خلافهم معها ورفض تحمُّل مسؤولية سودانيين جراء العقوبات الأمريكية، ودافع عن سياسات بلاده الخارجية مؤكدًا أن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان مبدئية بالنسبة لهم وأنهم لا يميزون في ذلك بين الأصدقاء وغيرهم. وكشف السفير أنهم بدأوا في تخفيف العقوبات عبر فتح مجال للتعاون التعليمي. تساؤلات عديدة تبرز تجاه تعنت واشنطن تجاه الخرطوم هل هو بسبب الموقف الإسلامي الذي تنتهجه الخرطوم أم لموقفهم من إسرائيل؟ ويشير المحلل السياسي عباس إبراهيم إلى أن أمريكا إذا كانت جادة في حلحلة مشكلات السودان فلماذا لا تصادق الحكومة ومن ثم تعمل معها لحل تلك الأزمات مضيفًا أن بإمكان واشنطن كبح جماح الحركات المسلحة وقيادتها لطاولة التفاوض إذا أرادت لأن قيادات هذه الحركات تجد تسهيلات ودعمًا من واشنطن، ويذهب إبراهيم إلى أن السودان لا يحظى بأهمية كبرى لدى الإدارة الأمريكية مما جعل ملفه يقع تحت رحمة جماعات الضغط التي ابتزَّت به الحكومة الأمريكية، وهذه الجماعات والحديث لعباس تُعتبر من أكبر جماعات الضغط التي تُسخدم ضد الحكومة مما جعل الولاياتالمتحدة تتدخل في الشأن السوداني. ويرى أن السودان لا يستطيع مناهضة هذه السياسة إلا أن تكون لديه منظمات تناهض منظمات وجماعات الضغط، وهذا بالطبع غير موجود لدى السودان، فالقرارات الأمريكية مصدرُها هذه المنظمات المناهضة للسودان. العلاقة بين الخرطوم وجوبا كانت قد وصلت لأعلى مستوياتها في عهد الرئيس نميري ووصلت لأدنى مستوى في عهد الإنقاذ التي اعتبرتها واشنطن مهددًا لأمنها، لكن العلاقة تغيَّرت بعد اتفاقية نيفاشا وأخذت منحى آخر عقب انفصال الجنوب. وظلت واشنطن تدعو للتطبيع مع الخرطوم وتطرح شروطًا يتم تنفيذها. وكان المبعوث السابق للسودان برستون ليمان قد قد عزا سبب توتر العلاقة إلى أن السودان كلما جاء بمتطلبات التطبيع، جاء بكبيرة محقت جائزته، معترفًا في الوقت نفسه بأن السودان أوفَى بمتطلبات العصا الأمريكية، ولم يلق جزرتها؛ مما يدل على عدم جدية واشنطن في التطبيع، بل شيمتها المراوغة لكسب مزيد من التنازلات. ووصف «ليمان» تعامل واشنطن مع الخرطوم بمن يرحل قوائم المرمى في كرة القدم، فكلما اقترب من إحراز هدف محقق، ضاعت تلك الفرصة منه. على كلٍّ تبقى وعود ومطالبة واشنطن بتطبيع العلاقة بين الخرطوموواشنطن تتبع سياسة الجزرة والعصا لكن بصور وحيل مختلفة فإلى أين تمضي هذه العلاقة؟