من المجانين أولاد عفريت ويثير اسمه الهلع فإذا خالطته وجدته بشوشاً دمث الأخلاق حلو المعشر. يجذبك بدعابته، ويدهشك بسرعة بديهته ويغريك حين يغني بصوته العذب الشجي. عشنا معاً سنوات الطفولة بالمزروب. قرأ القرآن بمسيد الشيخ جمعة سهل البركة وختمه بمسيد ود كدام بأم حصحاص وعندما علم بافتتاح مدرسة خور جادين الأولية عزم على الالتحاق بالمدرسة فسافر إليها مع أخيه. واضطر أن يسير إليها راجلاً لمدة ثلاثة أيام ليس معه من رفيق إلا عصاه وسعن مليء بالماء يحمله على عاتقه حتى وصلها. ولما سأله ناظر المدرسة ماذا تريد؟ قال داير أقرأ. فجمع الناظر التلاميذ وحدثهم عن التلميذ الذي جاء راجلاً يقطع الفيافي وحده رغبة في التعليم. لقد أثبت الغالي الحاج أنه عصامي والتحق بمدرسة مبروكة ببخت الرضا وعمل بالتدريس وظل يواصل تعليمه حتى ابتعث للدراسة بمصر، ولم يتوقف بعد عودته حتى نال درجة الدكتوراه. في التربية وأصبح عميداً لكلية التربية بجامعة النهود. نفس عصام سودت عصاما.. لقد صاغ الغالي رحلته إلى خور جادين في قصيدة رائعة بعنوان (رسالة إلى أستاذي) يقول فيها.. الغالي شعره في ديوانين: هل تعلمنا، والبنفسج وله كتب أخرى في التربية والأدب الشعبي. وللغالي قصائد بالعامية منها (مسدار) التي يحكي فيها قصة سفره من المزروب إلى جبال التونج في جنوب السودان. نموذج من شعره: رسالة إلى أستاذي أأستاذي أتذكر أن يومًا.. أتاك مهلهل خلَق الثيابِ صبي ما درى مين الليالي.. وما يدري التذرّع بالكذاب سرى الخمس الليالي في ظلام.. وخمسا خائضا بحر السراب قد اقتطع المهامة في اصطبار.. وأدلج في المهاد وفي الروابي وترتجف الفرائص منه جهدًا.. ووجه قد تغبّر بالتراب وألقى للسلاح بباب سور.. من «السيال» أبرز كل ناب وما ذاك السلاح سوى عصاهُ.. يخيف بها الثعالب والدوابي وزاد ضمه كيس صغير.. وثوب كان في بطن الجراب أتاك وليس بصحبه قريب وأين لمثله لقيا الصحاب صبي شيخه ولى نقياً وخلف لابنه شمم السحاب عزائم ما تزال معلمات وجودًا لا يحدد بالرحاب واسمًا ليس مجهول السجايا ورأيًا كالمهند في الضراب وقلبًا للحنيفة فيه دار ترجِّع للدعاء المستجاب وأنت هناك في كرسي علم بأرض النور مزدهر الشباب »بخور جادين« عاصمة السواقي وجامعة الأحامدة الغلاب أتاك وقد تطلّع للمعالي وفي الأحداق عزمة ذي الطلاب وفي أعماقه للعلم نهر ودون الاغتراف مذاق صاب أتاك ولست تملك من قبول لأن العام آذن بالذهاب لأن هناك قانون إنجليز يصد الخارجين على الصواب فكنت الرفق أسكت كل صوت وأضمرت القبول لذي الجراب أتذكر إذ دعوت هناك جمعاً من الطلاب في ساح القباب أصاخ لصوت رنان رقيق من الأجراس لم يمسس بعاب توسطت الجماعة قلت فيهم أصيخوا يا صغاري يا صحاب هنا قد جاء مدفوعاً إليكم صغير رام ما فوق السحاب أتى للعلم يطلب منه ورداً برغم الجوع والمحن الصعاب وفيكم يا بنيَّ ضعاف روح فرون الغداة بلا صواب كأن العلم مبغوض إليهم وأن الجهل مرغوب الجناب وقلت لهم بأن العام ولى وأن الامتحان على اقتراب وأوليت الصبي حديث أنس كما أوليته حسن الثياب وأطلقت الهتاف بصوت صدقٍ بأن يسمو ويعلو كالشهاب وشجعت الصبي على اجتهاد يصاحب للصلاة وللكتاب يرتل من كتاب الله صحفاً يظل الجن منها في اضطراب وفي قلب الفتى حب كبير إلى من عنده فصل الخطاب أأستاذي وإن فتاك أضحى كما قدرت من خير الشباب وأخلص الصغار بكل فصل يزيل الشك عن متن الصواب ويسعى مثل سعيك في كفاح ويرفق مثل رفقك بالصحاب وإن ما الشيخ أذن في صباح أتى سهماً يصول بلا انكباب ويطلب من إله الناس يرجو ويدعو ربه حسن الثواب ويدعوه بأن تحيا سعيداً وفي الفردوس ترفل في الزرابي